للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الِإشارة إلى الدَّلالةِ بحَسَب الكتابِ، ولولا أنه ليس بموضِعِه لأطَلْتُ، لكنْ نذكرُ ما يليقُ بهذا اَلكتابِ، فنقول- وبالله التوفيقُ-:

إنه لا يخلو أنَّ دعواكم حُسْنَ الحَسَنِ وقُبْحَ القبيحِ بالعقلِ معنىً علمتموه ضرورة من جهة العقلِ، أو بالاستدلال.

فلا تجوز دعوى الضَّرورةِ، لأننا وكثيراً (١) من العقلاءِ مخالفون في ذلك، وقائلون بأنَّا لا نعلمُ شيئاً من ذلك إلا بالسَّمْعِ، ولو جازَ أن يختلفَ العقلاءُ فيما هو معلومٌ ضرورةً، لاختلفوا في حُسْنِ العَدْلِ، وشُكْرِ المُنْعِمِ، فقال بعضُهم: إنه قبيحٌ، وحَسَّنَه بعضُهم، فلمَّا لم يختلفوا في حُسْنِ العدلِ وقبحِ الظُلمِ، ولم يَجْرِ وقوعُ الخلافِ في ذلك، ووقعَ الخلافُ في طريقِ التَحسينِ، فقال قومٌ: هو السمعُ، وقال قومٌ: هو العقلُ، بطَلَ دعوى العلمِ بذلك من جهةِ الضَّرورةِ.

فإن قيل: الخلافُ قد يقعُ عناداً كما عانَدَتِ السوفسطَائيةُ (٢) في جَحْدِ الحقائقِ، ودَرْكِ الحواسِّ.

قيل: فهذا أمرٌ لا يَخْتَصُّنا، ولَئِنْ جازَ مثلُ ذلك في حقِّنا وانَّا نعاندُ


(١) في الأصل: "وكثير".
(٢) السفْسَطَةُ: قياس مركَبٌ من الوَهْميات، والغرض منه تغليط الخصم وإسكاته، كقولنا: الجوهر موجود في الذهن، وكل موجودٍ في الذهن قائمٍ بالذهن عَرَضٌ، لينتج أن الجوهرَ عرضٌ. "التعريفات" للجرجاني ص ١١٨ - ١١٩، وانظر تفصيل الكلام على السفسطائية في "الفصل" لابن حزم ١/ ٨، و"مجموع الفتاوي" لابن تيمية ١٩/ ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>