للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَبو بكر تَنَدَّمَ عندَ الموتِ على أَشياءَ عَدَّدَها، وقال فيما فَعَلَه: وَدِدْتُ أَني لم أَفْعَلْه، ولو كان الرايُ طريقاً للعملِ به، لَمَا تَنَدَّم على ما فَعَلَه به، كما لم يَتَنَدَّمْ على ما عَمِل فيه بكتابِ اللهِ وسُنَةِ رسوله.

وقد ذَكَرَ الجاحظُ في (١) كتابِ "الفُتْيا" عن أَبى إِسحاقَ النًظَّامِ مِن ذَمِّ أَصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، لِمَا حَكَيْنا عنهم من العملِ بالرَّايِ، وتَهَجَّمَ بتَسْخيفِ آرائِهم، ما دَلَّ به على فسادِ عَقْدِه، وسُخْفِ رايه وعَقْلِه، ولم أَحْكِه تَحرُّجاً وتَورُّعاً، ولو كان فيه نوعُ شُبْهةٍ، لحَكَيْتُهَ لأَتَكلمَ عليه، لكني رَأَيْتُه فارغاً مِن حُجَّةٍ وشُبْهةٍ، دالاّ على دَخَلٍ كان في قلبِه، استرْوَحَ به إِلى ذِكرِهم رضوان الله عليهم.

فصل

في الأَجوبةِ عما تَعَلَّقُوا به مِن شُبَهِهِم

فأمَّا قولُهم: إِئها أَخبارُ آحادٍ، فإِنَّ اشتِهارَ ذلك عنهم تَوَاتر، وإن كانت آحادُ القضايا آحاداً في النقلِ، فصارَ كشجاعةِ علي، وسَخاءِ حاتمٍ، وفَصاحةِ قُسٍّ، وفَهاهَةِ باقِلٍ، وبُخلِ مادِرٍ، تَواتَرَ في الجملةِ، وإن كانت جُزئِيَّاتُ أحوالِهم وأَقوالِهم آحاداً، على أَنَّ اصولَ الفِقْهِ لايُطلَبُ لها القَطعِيَّاتُ مِنَ الأَدِئةِ إِذ كأنا إِلى إِثباتِ الأَحكامِ أَقْربَ، وعن أصولِ (٢ الدِّينِ أَبْعدَ، ولهذا لا نُفسِّقُ المُخالِفَ فيها، ولا نُبدِّعُه ...... ٢) فنُقابِلُه بما


(١) في الأصل: "عن".
(٢ - ٢) طمس في الأصل، وانظر "المسوَّدة" ٣٦٨ - ٣٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>