فمنها: أن الباءَ موضوعة لإلصاقِ الفعلِ بالمفعولِ به، يدل على ذلكَ قولُهم: مررتُ بزيدٍ، وكتبتُ بالقلمِ، وطفتُ بالبيتِ، فتفيدُ الباءُ إلصاقَ الفعلِ بالمفعولِ به.
ومنها: أنَ الباءَ لو كانت فيما لا يتعدى بها من الأفعالِ تقتضي التبعيضَ لما حسُنَ عطفُ العمومِ عليها، ومعلومٌ أنَكَ تقولُ: مسحتُ برأسه كُلِّه. ويحسنُ أنك تقول: امسحوا برؤوسكم كُلّها وجميعِها. ولا يحسنُ أن تقولَ: امسح ببعض رأسك كُلِّه وجميعِه.
ومنها: أنه لا يحسنُ دخولُ الاستثناءِ على ما دخلت عليه الباءُ الموجبةُ المتعدِّيةُ، مثل قوله: امسحوا برؤوسكم إلا ثُلثها. ولو كانَ يقتضى البعضَ المهملَ، لما جاز أن يدخلَ عليه الاستثناءُ المقدر؛ لأن الاستثناءَ إنما يخرجُ ما لولاه لكانَ داخلاً، وإذا قال: امسحوا برؤوسكم. وكان كقوله: امسحوا ببعضِ رؤوسكم. فلا نعلمُ دخولَ بعضٍ يُستثنى منه الثلثُ، إذ لا نعلم مقدارَ البعضِ المستثنى منه،
فصل
في شُبههم
فمنها: أن قالوا: إن أهلَ اللسانِ فرقوا بين قولِ القائل: أخذتُ ثوبَ فلانٍ وركابَه، وبين قوله (١): أخذتُ بثوبِه وركابِه. فيحملون الأولَ الخالي من الباءِ على أخذِ الجميعِ، والثاني المقيدَ بالباءِ على الأخذِ بالبعضِ، ويقولونَ: مسحتُ برأسِ اليتيمِ، ومسحتُ يدي بالمنديلِ. فلا يُعقلُ إلا البعضُ.