للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تعلّق بَعضهم بأنَ معنى أوجب، أن يكونَ: لا يتم (١) فعلُ أحدِ الواجبين، إلا بأن يتقدمه فرائضُ قبلَه، مثل تقدمِ وجوبِ النظرِ والاستدلالِ على المعرفةِ بالله سبحانه، بخلافِ فروعِ الإيمانِ وفرائضه، وهذا ليس بصحيحٍ؛ لأنَ كونَ أحدِ المأمورين أكبرَ عناءً، وأشقَ تحصيلاً يُعظِمُ وجوبَ غيرِه مع وجوبِه، وذلك لا يرجعُ إلى تعلقه، كما أنَ بعض المعلوماتِ تحتاجُ في حصولِ العلم بها إلى مقدمات يشق تحصيلها، وإذا انتهينا إلى العلمِ من حيث تعلقُه بالمعلومِ على ما هو به، تساوت فيه العلومُ وانطبقَ عليه حد واحد حتى شمل الشاهدَ والغائبَ، وجميعُ ما تعلقوا به في ذلك يرجعُ إلى ما وراءَ الحقيقةِ، وذلك لا يُعطي صحةَ دخولِ لفظة: أفعل، ألا ترى أن من كَذبَ على اللهِ وعلى رسوله كان آكدَ عقاباً، وأكبرَ مأثماً ممن كذبَ على أبيه أو صديقهِ أو عَدُوَّه، ثم لا يقال: إنه أكذب فيما أخبر به من الخبرِ الذي وقع منه على خلافِ مخبَره، وكذلكَ من صدق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرَ به عنِ الله كان أكثرَ ثواباً ممّن صدق أبا هريرة في حديث غسل اليدين عند القيامِ من نوم الليل قبل غَمسِهما (٢). ولا يقالُ: أحدُهما آكد تصديقاً.

فصل

مُفيد في بيانِ أمثالِ هذا الفصل، يَستريح بمعرفته المناظِرُ من كدّ المخالفةِ

والمقاولةِ، استفدناه من مشايخِ عصرِنا الذين لازمنا مجالسَهم.

وهو: أنَ المسألةَ الجاريةَ يجبُ أن يُحقَقَ مرادُ المفتي فيها، فإن وقَع للمجتهد الآخرِ ما وقع للمفتي الأولِ من المعنى؛ استراحا من الجدالِ، وإن خالفَه في اللفظِ


(١) مكررة في الأصل.
(٢) في الأصل: "غسلهما" ولعل الصواب ما أثبتناه، والمصنف يعني حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا استيقظ أحدكم في منامه، فلا يغمسَنَ يدَه في إنائه حتى يغسلها، فإنَه لا يدري أينَ باتت يدُه". تقدم تخريجه في ٢/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>