فمن ذلك قولهم: إنَّ الأمر من الله سبحانه يدلُّ على أنَّه صلاح للمكلَّفِ، وما كانَ صلاحاً لا يجوزُ على الحكيمِ أن ينهاه عنه؛ لأن النهيَ عن الصلاحِ أمرٌ بالفساد.
فيقالُ: هذا يلزمُ منه المنعُ من أجل النسخ، فإنه نسخٌ لأمرٍ بما كانَ في الأصل صلاحاً، وجازَ ذلكَ عليه سبحانه، كذلكَ النسخ له قبل وقت فعله.
على أنه إنما يكون صلاحاً ما دامَ الأمرُ به، فأمّا إذا زالَ الأمرُ علمنا أنّه لا صلاحَ فيه، كما إذا جاء النسخُ بعدَ الأمر المطلق على سائر الأزمانِ، فقطعَ الأفعالَ بالنهيِ عنْ مستقبلِ الأوقاتِ، بانَ أنّه ليسَ بصلاحٍ في تلكَ الأوقات.
وربما صوَّروه بعبارةٍ أخرى، فقالوا: الأمرُ بالفعلِ يدلُّ على حسنه، والنهي عن الحَسَنِ قبيح، ولا يجوز على الحكيم تشريعُ القبيح. فيقال في الجواب عنه نحوُ الأول، وأنّه يبطلُ بأصلِ النسخ، وأنّه إنما يكونُ حسناً ما دام الأمر باقياً.
ومن ذلك أنْ قالوا: لو نهى عن الشيءِ قبل وقت فعله كان بداءً، لأنَّ معناهُ: افعلْ كذا في وقتِ كذا، لا تفعلْ كذا في وقت كذا. ولو قالَ ذلكَ، كانَ عين البداءِ، كذلكَ إذا أتى بما في معناه.
فيقال: إن البداءَ هو ظهورُ الأمرِ بعدَ خفائه، وانكشافُه بعد تَغَطِّيه، من قولهم: بدا لي سورُ المدينةِ، ونورُ الشفق أو فلق الصبح بعد