والإحباط منه سبحانه، فإنه يمكن أنْ يتركَه على الوعد بثواب الطاعة، ويعاقبه على المعصيةِ بحسبها، كما قال أهل السنة، وكلُّ من لم يوجب التخليدَ بالكبائر مع الموافاة بالإيمان، فلم لا يجوزُ أن يأمرَهُ بالطاعة وإيقاعها في وقتٍ معين، بشرط أن لا يَرِدَ منه سبحانه ما ينسخها ويمنعُ من إيقاعها؟.
فإن قيل: لما أمره بالطاعة، نهاه عن فعل المعصية المحبطة، فإذا فعل المعصية صار غير فاعل للطاعة على الوجه المأمور به، بخلاف مسألتنا، فإنه أمر بها أمرأً مطلقاً غير مشروطٍ إلا بالوقتِ، فإذا نسخها قبل الوقت صار هو المعدِم للشرط سبحانه.
قيل: في قوةِ الدليل ما هو جوابٌ عن هذا؛ لأنه ليس الإحباط ضربةَ لازمٍ (١)، فيجوزُ أن لا يحبطَ، وما فعل سبحانه ذلك بل أحبط، والإحباطُ إليه، كما أن النسخ إليه، فلم قلتم في الإحباطِ: مصلحةٌ من جهة أنه يكون رادعاً عن تعقيب الطاعة بالمعصية؟
قيل: في العقوبة عليها من غير إحباطٍ كفايةٌ، كما أن في المؤاخذة على الصغائرِ كفايةً عن الإحباطِ، ولأنَّ النسخَ هاهنا قبل وقت الفعل يكون مصلحةً من الوجه الذي قدمناه.
فإذا ثبت هذا، فقد قدَّروا في قوله: افعلْ كذا فإنّي أُثيبكَ: ما لم تفعلْ ما يحبط ثواب طاعتك، فكذلك نقدر نحن: افعل كذا في وقت كذا، ما لم أنسخ الفعلَ وأرفعْه قبل الوقت.
(١) تقول العرب: ليس هذا بضربةِ لازِمٍ، ولازِبٍ، أي: ما هذا بلازمٍ واجبٍ. "اللسان": (لزب) و (لزم).