وأما استشهادُهم بالبَيْعِ وقتَ النداءِ، وغيرِ ذلك من المسائلِ، فلا نُسلمه، بل جميعُ ذلك يقتضي الفَساد.
وأمَّا قولُهم: وَجَبَ إذا انفصلَ عنه الفسادُ أن يبقى مجازاً.
ليس بلازم، فإنه لم ينتقل عن جميع موجَبه، وإنما انتقل عن بعض موجَبه، فصار كالعموم الذي إذا خرج بعضه بقي حقيقةً فيما بقي.
فإن قيل: فما تقولُ إذا قامت الدلالةُ على نقلِه عن التحريم؛ قيل: يبقى نهياً حقيقةً على التنزيه، كما نقول: إذا قامت دلالةُ الأمرِ على أنَّ الأمر ليس على الوجوب بقي أمراً.
وأما قولُهم: ليس في الصيغةِ ما يوجب القضاءَ، فالإتيانُ به على وجه النهي أعدمه شرطاً، فلم تبرأ الذمةُ عن الفعلِ، فكان على وجوبه.
فالإعادة من ها هنا استفيدت لا من نفسِ الصيغةِ؛ لأنه لمّاَ أتى به على وجهِ النَهي، جعلناه كأنه لم يأتِ به ولا خرجَ عن عهدتِه.
وأما قولُهم: إنَ الفسادَ صفة زائدة على النهي.
فالصحّةُ من مقتضى متابعةِ الشرع ولا متابعةَ مع النهي، فلم يبقَ إلا عدمُ الصحة، وليس بين الصحةِ والفسادِ واسطةٌ، فاذا أوجبَ الدليلُ عدمَ الصحّة، وجب الفسادُ لا محالةَ، وليست أمراً زائداً على النَهي؛ لأن النهيَ منعٌ، وما أمرَ اللهُ به فلم يأمرُ به على وجهِ النهي، فالمفعولُ غيرُ مأمور، فلم يعتد به كفعل آخر غير المأمورِ به.
فصل
والنهيُ إذا كان في غيرِ العبادة، ولا لمعنى في عَينِ المنهي عنه، بل في غيره، كالصلاةِ في الثوبِ المغصوبِ والدارِ الغصْب، والبيعِ وقتَ النداءِ، منعَ الصحة، كما لو كان النهيُ لمعنى فيه.
وبهذا قال جماعة من المعتزلةِ، خلافاً لأكثر الفقهاءِ والأشعرية في قولهم: الصلاةُ