للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصِل

في أَدِلتنا

فمنها: أَنَّ التحريمَ لو كان حكماً لأَجلِ السّكَّرِ وحلاوتِه المختَصَّةِ به، لَمَا كان لقولِه: لأَنه حُلْوٌ، فائدةٌ؛ لأَنَّ الحلاوةَ وصف للسُّكَّرِ لا تُفارِقُه، وكان يكفي قولُه: لا تأكلِ السُّكرَ، والحكيمُ إذا عَلقَ حكماً على مَحَل أَو عَينٍ من الأعيان ذاتِ أَوصاف غيرِ مفارقةٍ لها، كَفاه ذكرُ المَحَل والعَيْنِ، فإذا ذكرَ الصِّفةَ وعَللَ بها، لم يَخْلُ ذكرُه لها من فائدةٍ، ولا فائدةَ بالتعليلِ بالحَلاوةِ إلا التَّعدِيةَ (١) إلى كلِّ حُلْوٍ من سُكَّرٍ وغيرِه؛ إِذ لو كان المَحلُّ أَحدَ وَصْفي العلَّةِ، وكان معناه: لا تَأكُلِ السُّكَّرَ؛ لأنَّ حلاوتَه علَّةُ التحريمِ دونَ حلاوةِ غيرِه، لكان في ذكره كِفايةٌ، لأنَّه يَستَتْبِعُ حلاوتَه المُختصَّةَ به، وكان ذكرُ الحلاوةِ لايُفِيدُ إلاًّ ما أَفادَه النَّصّ.

فإن قِيلَ: بل أَفادَ ذكرُ العلَّةِ أَنَّ الحكمَ مُعفلٌ لا بحكمٍ، ولو أَطلق تحريمَ السُّكرِ، لكان تحريمُه بحكمٍ لا مُعللاً، فقد أَفادَ بيانَ التعليلِ بعد أَنْ لم يكُنْ ذلك مُستفاداً بمجرد النَّصِّ، وقد قال الله تعالى: انَّ لَهُ {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} [يوسف: ٧٨] وكان ذلك الحكمُ مقصوراً على بِنْيامِينَ، ولم يَتعَدَّ ذلك إلى الجماعةِ وإِن كانوا أَبناءَ ذلك الشَّيخ الذي بِنْيامِينُ ابنُه، وكذلك يجوزُ أَن تكونَ حلاوةُ السُّكَّرِ خاصَّةً تجلب الحُكم دونَ حَلاوةِ التَّمرِ.

قيل: هذا خلافُ الظَّاهِرِ في التعاليلِ كلِّها؛ فإنَّ المعقولَ مِنَ العِلةِ


(١) في الأصل: "ولا للتعدية".

<<  <  ج: ص:  >  >>