للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، ولوجبَ أن يتعلق بشيئين على جهةِ العكس، وهذا باطلٌ لأن كلَّ ماله تعلق من الصفاتِ لا يصحُ أن يتعلق إلا بمتعلقٍ واحدٍ على وجهٍ واحدٍ.

فصل

يجمع الأجوبةَ عن شبههم

فأمَّا قولهم: إنَّ صيغةَ الأمرِ والنهي ضدّان فلا يجتمعان. فلا تضاد بينهما إذا تغاير ما ينصرفان إليه، فإنَه يحسُنُ أن يقول: لا تقعدْ. مكانَ قوله: قم، وبدلًا منه، فإذا قال: قم، فهو آمرٌ بالقيام، ويندرج فيه النهيُ عن القعودِ معنىً، والذي يتضادُ مضادةً يستحيلُ اجتماعُهما في حق الواحد أن يقول: قمْ اقعدْ، أو قمُ اضطجعْ في حال. فذاكَ الذي لا يجوزُ اجتماعُه في الخطاب، كما لا يصحُ اجتماعُ المأمورِ به في المحل الواحد، وكل عاقلٍ من أهل اللغةِ يفهم من قوله: قمْ أنَه قد نهاه عن أن يقعدَ ويضطجع، وعن كل ضد يخرج باعتمادِه عن القيام المأمور به، كما يعقل للنهي عن ترك ما أمر به، ولا فرقَ بين تركِ ماَ أمره به، وبينَ فعل ضده، إذ لا يُتصور تركُ القيام إلا بفعلِ ضدٍّ من أضدادهِ، مثل قعودَ أو اضطجاعٍ، وقد أوضحَ اللهَ تعالى ذلكَ بقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] هذا أمر بالسعي، ثمَ قال: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} فيفصح بالنهي عما الاشتغال به، يقطعُ عن السعي، ولو سكتَ عنه لكان في قوةِ اللفظِ ما يُعلمُ به أنه نهيٌ عن كل قاطعٍ عن السعي، وإنما اقتصرَ على النهي عن السعي لأنَه أهمُ أشغالِ الناس وهو الذي ذَكَرَ الله تعالى عن

<<  <  ج: ص:  >  >>