بالمواضعةِ، ولعل المواضعةَ توافقُ ما جاءَ من جهةِ التوقيفِ والِإلهام، فيتواطأ الوضعُ الذي أحدثَه الناسُ والوضعُ الإلهامي أو لا يواطِئهُ.
وهذا بابٌ لا يمكن سدُّه ولا جحدُه، لأن كلًا من الطرقِ قد دل عليه دليل من النقلِ.
فدليل التعليمِ لمن علمه قولُه تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}[البقرة: ٣١]، وهذا صالح للإلهام أيضاً، فإن تعليمَ الله سبحانه لمن علمه يَقعُ بالإلهامِ تارةً، وبالمكالمةِ تارةً، بدليلِ قولِه سبحانَه:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ}[الأنبياء: ٨٠] وكان تعليم داودَ لصناعةِ الحديدِ في قولِه تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: ١٠ - ١١].
ودليلُ الوضعِ بالتواضع، استعاراتُ العربِ للأسماءِ المجازيةِ من الحقائقِ الأصليةِ، من طريقِ المشاكلةِ والمقاربةِ بين المستعارِ له والمستعار منهُ، مثلُ تسميتِهم الكريمَ والعالمَ والفرسَ الجوادَ: بحراً، لمكان الفَيض والنيلِ والاتساعِ. وتسميتِهم المقدام: أسداً وشجاعاً، وما ذلك إلا وضع ناقل للأسماءِ الموضوعةِ إلى غير ما وضعتْ له، بنوع من قياسِ المقايسةِ. وهذا منقولٌ عنهم مستفاضٌ في نثرهِم ونظمِهم.
فصلٌ
وذهبتْ طائفةٌ من القائلينَ بأنَ الخطابَ مواضعةٌ، أنَ مواضعتَهم سابقةٌ لخطاب الله سبحانَه لهم، إذ لو لم يسبقْ منهم مواضعةٌ، لما فهموا خطابً الله سبحانَه لهم، لكن لما عهدتْ مواضعتُهم فهموا