خطابَ الله سبحانَه بما قد استقر بينَهم وعندَهم من التفاهم للمعاني بدليلِ الخطابِ،
فالدلالةُ على فسادِ قوِلهم: أنَ الله سبحانه قادر على أن يضطَرهم إلى فهمِ ما يخاطبهُم به ويلهمَهم فهمَ معانيه، وإذا تحققَ ذلك وصحَ، بطلَ القول باشتراطِ سبقِ المواضعةِ منهم لخطابِه سبحانَه لهم.
وآيةُ ذلك: أنه سبحانَه ألهمَ من الهدايةِ إلى أشياءَ، لا يخرجُ بالعلوم الاستدلاليةِ مثلها، من ذلك: إلهامُ الطفلِ تناولَ الثدي ثم التقامَه إَياهُ، لا يرشدهُ أنّ ما فيهِ من اللبنِ ممتنغ عن الجري إلا بنوع جذب ومص، فألهمَه اللهُ سبحانَه الالتقامَ ثم المص، وألهمَ النحلَ عمل المسدساتِ التي يعجزُ عنها كثير من أهلِ الخبرةِ بالهندسةِ، والهامُ البهائم التداوي بالحشائشِ المنتفعِ بها في أوقاتِ الفصولِ التي يختصُ بمعرفِتها بعضُ الناسِ من العلماءِ، وإلهامُها زق أفراخِها زمنَ العجزِ عن النهوضِ، وفطامَها حينَ نهضتها، وإلى أمثالِ ذلك.
وهذا إلقاء من اللهِ سبحانه، فهذا يوضحُ أن إلقاءَ الفهمِ لمعاني الخطاب لا يعزبُ عليه سبحانَه، فلا حاجةَ بنا مع معرفةِ الجملةِ، أن نشترطَ سبقَ المواضعةِ من الخلقِ لخطابهِ لهمْ بما يخاطبُهم بهِ في مصالحِهم، لأنَ الفَهم ليس بأكثرَ من الإلقاءِ إلى قلوبِ المخاطبين وجدانَ المعاني المقصودةِ من الخطاب، وذلك بعينه هو إلهامُ القلوبِ ما فاضَ على الأدواتِ من الصنائعَ والأعمالِ والتروكِ والاجتنابِ، بحسب المصالحِ الحاصلةِ للحيوانِ اَلملهمِ ولنوعهِ.
ثم إنَا ندخلُ عليهم من نفسِ المواضعةِ فنقولُ: أليسَ قوةُ