وأما قولكم: إنَ أوامرَ الشريعةِ أكثرُها على التكرارِ، فبدلالةٍ لا بالإِطلاق، وخلافُنا في الأمرِ المطلقِ، على أنَ أكثرَ عموماتِ القرآنِ مخضَصَة (١)، ولا يقتضي أن يكونَ الِإطلاقُ للعمومِ مقتضاه للخصوصِ.
وأما تعلقُكم بالنهي وأنَه يقتضي التكرار، فلا يلزمُ، لأن النهي منع والأمرَ إيجاب، وفرق بينهما، بدليلِ أنَ اليمينَ على مَنْعِ النفسِ من الفعلِ، وهو قوله: والله لا دَخلتُ الدارَ. يقتضي الدوامَ، واليمينُ على الإلزامِ للفعلِ، مثلُ قوله: واللهِ لأدْخلن الدارَ، تُغْني فيه دخلةٌ واحدةٌ.
قالوا: ولأن النهي يقتضي قُبْحَ المنهى عنه، وتركُ القبيحِ لا يتخصصُ بزمانٍ دونَ زمان، إذ هو قبيح أبداً، ولأنَ النهيَ المقيّدَ بوقتٍ يقتضي التكرارَ والدوامَ بخلاف الأمرِ.
قالوا: وأمّا قولُه: صل، فإنه لا يقتضي إلا صلاةً واحدةً على طريقِ الحقيقةِ، فأما صلواتٌ فلا، ولهذا لو قال في لفظِ الخبرِ: صليتُ، ما اقتضى إلا صلاةً واحدةً، ويحسُن مِنَ المصلِّي صلاةً واحدةً أنْ يقولَ: قد فعلتُ ما امرتُ.
قالوا: وأمّا قولُه: احفظ، فدلالةُ الحال تعطي الدوامَ، لأنَه ليس أحد يحب حِفظَ مالِهِ ساعةً، ثم يضيّعُ، فأما أن يكون تكرر الحفظِ ودوامه مفهوماً من جهةِ اللفظِ فكلا، ولكنْ من جهةِ العرفِ القائمِ في