للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على نفي الفضلِ، كقولِ العرب: لا رجلَ في هذا البلدِ. إذا كانت حالُه مختلةً في السياسةِ، وفيه عالمٌ من الرجالِ. لكنْ قرينة من دلالةِ الحال دلتْ علي نفي رجلةِ السياسةِ، لا رجلة الذكوريَّةِ، وذلك كقولهِم: لا سيفَ إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليٌ، ولا طعامَ إلا البر واللحمُ.

فيكونُ في الشرعياتِ: "لا صلاةَ لجارِ المسجدِ إلا في المسجدِ" من هذا القبيلِ، إذا قامَ بذلك دليل يصرفُنا عن حملهِ على نفي الإجزاءِ إلى نفي الفضلِ، وقد أحالَ القاضي أبو بكر العمومَ في ذلك، فقال: لا يَصح أن يحملَ على نفي الإِجزاءِ والفضيلةِ، وذكر أنَ في ذلك إحالةً وتناقضاً، لأنَ النفيَ لكونِها مجزيةً ومعتداً بها، ينفي كونَها شرعيةً، والنفي لكونِها كاملةً فاضلةً، يوجبُ كونَها شرعيةً معتداً بها، ومحالٌ أنْ يُرادَ باللفظِ الواحدِ عمومُ أمرين متناقضين، أو أمورٌ متنافية، وإنما يحملُ على نفيِ الِإجزاء أو نفيِ الفضلِ، على طريق البَدَلِ كقولهِ تعالى: {وَإذَا حَلَلْتُم فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] يصلحُ أنَ يُحملَ على الإيجابِ من اللهِ سبحانه للاصطيادِ تارةً، وعلى الندْب تارةً، أو على الإِباحةِ على طريقِ البدلِ، فلا يَصِحُ أن يُحملَ علىَ العموم، لما بيْنَ الإيجابِ والندبِ والإِباحةِ مِن التضادِ والتنافي في محتملاتِها.

فصل

ويجبُ أنْ يُعلمَ أنَه ليس كلُّ شرعي مجزئاً، كالصلاةِ التي دخلها بظن الطهارةِ، وبانَ أنه كان غيرَ مُتطهرٍ، وكالحِجةِ بعد الإفسادِ، يمضي فيها مُضياً شرعياً بمعنى مأموربه، ولايقعُ الإِجزاءُ في الموضعين، بل يجبُ قضاءُ الصلاةِ والحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>