وإذا رجعَ إلى الحقيقةِ كان القاتلُ السيفَ لا القلم، كذلك إضافةُ الكلام إلى الفؤادِ مع إضافتهِ إلى اللَّسان، فاللسانُ: هو الآلةُ في الحقيقةَ وما قبلَه من القلب مجازٌ، وما بعده من إشارةٍ ورمزٍ بالعينِ مجازٌ، والحقيقة اللسانُ، بدليَلِ ما قدمنا من الدلائلِ.
فصلٌ
واعلم أن الصيغةَ التي حَصَلَ الاتفاق من القائلينَ بأن الأمرَ صيغةٌ على كونِها أمَراً، هي لفظةُ: افعلْ، إذا صَدَرَتْ مِمَّن تَلْزَمُ طاعتهُ، وهو المعبَّرُ به عن الأعلى، وذلك هو قولُ السيد لعبدِه أو السُّلطانِ لآحادِ رعيتهِ: ادخلْ واخرج وقمْ.
وتوهَّم قومٌ أنَّ الرتبةَ قرينة، وقال المحققون: إنها لم تُسم أمراً إلا لوجودِها من الأعلى للأدنى، فليست الرتبةُ قرينةً، لكنها شرطٌ، لكونِ الصيغة أمراً، كما لا يكونُ تسميةُ قولِ الممهدِّدِ: افعلْ ما شئتَ، تهديداً بقرينةٍ.
والفرقُ بينَ القرينةِ وبين نفيِها، أن ما كانَ موضوعاً لشيءٍ، فصارَ بما انضمً إليهِ لغيرِ ذلك الموضوع، فهو الذي استحقَّ الاسمَ بقرينةٍ، مثلُ صيغةِ الاستدعاءِ من الأعلى للأدنى إذا لم نَقُلْ إنها للوجوب، فقارنَها تهديدٌ أو وعيدٌ علىٍ التركِ، صارت أمراً موجباً بعد أن لم تكن موجبةً، وما لا يكونُ قرينةً، مثلُ لفظةِ: افعلْ، إذا صَدَرَتْ عن الدونِ للأعلى قيلَ: سؤالٌ ورغبةٌ، واذا وُجِدتْ من النَّاهي الزَّاجرِ عن الفِعلِ قيلِ: تهديدٌ، ولا يقال: إن الصيغةَ خَرجَتَ عن الأمرِ بقرينةٍ دونَ رتبةِ القائل عن الأمرِ إلى السؤالِ والرغبة، ولا خرجتْ عن الأمرِ بالوعيدِ إلى التَهديدِ، بل هي موضوعةٌ في كلُّ محل حقيقة لمَا وُضِعَتْ لهُ، فهي من الدّونِ حقيقةُ سؤال، ومن المُتَوَعدِ حقيقةُ تهديدٍ، ومن