للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلٌ

في الدلالةِ على ما ذكرناه

أنَّ اللهَ سبحانَه قال: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران:٧]، وأمُّ الشيء: أصلُه، وإنَّما سُمِّيَ المحكمُ أصلاً، لأنهُ -على ما قدمتُ- يُرَدُّ إليه المتشابِهُ، كما يردُّ الفرعُ إلى أصلِه، إن شئتَ فرعَ العلةِ، وإن شئتَ كلَّ شيءٍ تَفَرَّعٍ عن شيءٍ، كالولدِ إلى أبيهِ، والثَمرِ إلى الشجرةِ، وكلَّ شيءٍ صَدر عن أصل حتى المخلوق إلى خالِقه، فكذلك الآياتُ المحكمةُ أصولٌ متفقٌ عَّلَى حُكمها، يُردُّ المُتردِّدُ المختلَفُ فيه لأجل تردُّده إليها، وهذا صورةُ ما قدَّمنا مثالَه:

فإذا قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، ثم قال: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] فاشتبه، على السامعِ شأنُ السمعِ والبصرِ، هل هوَ بجارحةٍ، أو هو بمعنى العلم بما يسمعُه السامعُ منا، والعلمِ بما يبصرُه الواحدُ منا، أو هو إدرا، بغير جارحةٍ ليس بالعلمِ، لكنَّه زائد على العلمِ، أو هو كونُ الذاتِ سميعةً (١) بنفسِها، لا بمعنى هو علم ولا سمع ولا بصر، فإذا حصلَ الاشتباهُ في ذلك، ثم صدرَ عنهُ ما حصلَ من الاختلاف بين أهلِ العلم، وجبَ على العالِم الراسخِ في العلم، أن يردَّ هذا إلى أوَّلِ الآَيةِ وهو (٢) نفي التشبيهِ بقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، فينفيَ من هذه الأمورِ المشتبهةِ ما يَخرجُ عن أوَّلِ الآيةِ -وهو الإحكامُ-،


(١) تحرفت في الأصل إلى: "سمعية".
(٢) في الأصل: "وهي".

<<  <  ج: ص:  >  >>