للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا نفى التشبيهَ، قال: إنه سميعٌ لا بمثلِ ما نَسْمَعُ من جارجةٍ وجهَةٍ من ذواتِنا وحاسَّة، إذ لو حُمِلَ على ذلك لانتفى قولهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وذلك نفيٌ صريحٌ لا يترددُ، فكيف نزيلهُ بما يتردَّدُ؟، فحملنا المتشابِهَ على المحكمِ، فانتفى التشبيهُ، وبقيَ الأمرُ متردِّداً بعد نفي التشبيهِ بين مذهبين لا بأسَ بهما عند المحققينَ من العلماءِ:

أحدهُما: القولُ بأنَّه سميع بصيرٌ، والإمساكُ عما به يسمعُ، لا تشبيهَ ولا تأويلَ.

والثاني: التأويلُ على أنَّه يدركُ المسموعاتِ، والمبصَراتِ، ولا نزيدُ على ذلك.

وأمَّا التأويلُ الذي لُقِّبَ صاحبُه بالزيغ، فإنَّه الحملُ له على ما يوجبُ الاختلافَ والتناقضَ، أو تأويلُ ما يعودُ على المحكمِ بالنفي؛ من نوعِ تشبيه يعودُ بنقض أوَّلِ الآية، فهذا صاحبُه زائغٌ، وقولُه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] يعني- واللهُ أعلمُ-: لا يعلم كُنْهَ ما تحتَ هذهِ الإضافاتِ، إلا مَن وصفَ نفسَه بها تارةً، وأضافها إليه أخرى، كما قال سبحانه: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف: ١٥٣] ينتظرون معنى ما سمعوا من البعثِ والحسابِ والمجازاةِ، {يوم يأتي تأويلُه} [الأعراف: ١٥٣] ينكشف وعدُ اللهِ ووعيدُهُ، بالمعنى الذي أَخْبَرَتْ به الأنبياءُ صلواتُ الله عليهم، {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ} [الأعراف: ١٥٣] يعني: تركوهُ مِن قبلُ: {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: ٥٣]، فالتأويلُ المضافُ إلى اللهِ سبحانه: المعاني التي تحتَ هذه الألفاظ، ولا يَعلمُ ذلك إلا اللهُ.

{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧] الثابتون على صحةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>