للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعتقدِ {يَقُولُونَ آمَنَّا} صدَّقنا {بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، يعنونَ: المحكمَ الذي نَفى التشبيهَ، وهذا المتشابهَ الذي يوهمُ التشبيهَ، هما جميعاً من عندِ الله، فنحن نؤمِنُ بأنَّه ليسَ بحيث يتناقضُ كلامُه، ولا يكون المتردِّدُ قاضياً على النصِّ غيرِ المتردد، بل هذا من مثل (١) ذاك، واللهُ سبحانه لا تناقضَ في كلامِه، ولا تفاوتَ في خلقِه، فلم يبقَ إلا أنَّ لهذا المتشابه معنى هو العالمُ به، المستأثِرُ بعلمِه، فَحَدُّنا إذا لم نصِلْ إليه، أن نستطرحَ التسليمَ والتصديقَ، وكذلك يجبُ في كلِّ مشتبهٍ من أفعالِه يعطي ما لا يليقُ به، أَنْ يُحملَ على ما يليقُ من إِحْكامِ فعلِهِ الذي لا تفاوتَ فيه.

وكذلكَ في الفروع: إذا جاءتْ آيةٌ (٢) مجمعٌ على حكمِها، وآيةٌ مختلف فيها، سُقنا المختلفَ فيه إلى المتفقِ عليه، مثلُ قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥]، فهذا (٣) يعطي المساواةَ، فإذا قال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل ١٢٦]، ورأينا أنَّ طلبَ المماثلةِ في الصورةِ يخرجُ عن المساواةِ، بأن تقطعَ يَدُهُ فلا يموتُ، كما ماتَ مَن قَتَلَه بقطعِ يدِه، احتجنا أن نعودَ، فنضربَ عنقَه، فيفضي بنا طلبُ المماثلةِ في صورةِ الفعل إلى الزيادةِ على المثل، والخروجِ على المقاصَّةِ، فحملناهُ على إزهاقِ النفس دون مماثلةِ الصورةِ، ليحرسَ المعنى الذي هو الأصلُ -وهو المساواةُ-، وإذا ثبتَ ذلك، كان هذا أشبهَ ممن حملَ المحكمَ على النَّاسِخ، والمتشابِهَ على المنسوخ، وعلى الحروفِ المقطَّعةِ، ولأنَّ


(١) في الأصل: "عند".
(٢) في الأصل: "أنه".
(٣) في الأصل: "هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>