للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظرِ عن مذهبٍ كانوا زماناً عليه إلى مذهبِ عادوا إليه، ولم يدلَّ ذلك عندنا وعندكم على إخراجِ النظرِ من كونَه طريقاً للعلم.

وجوابٌ آخر: وهو أنَّ النبوَّةَ لا تثبتُ ضرورةً؛ لأنَّها إنما تثبتُ بالاستدلالِ، فمن نقلَ نبوته إنَّما نقل ما قاله عن اجتهادٍ، وليست بأكثرَ من الإلهية، والصانعُ ما ثبتَ إلا بدليل صُنْعِه، وما صدر عنه، ولم يؤدِّ بنا ذلك إلى العلمِ به ضرورةً، فنبوة أنبيائه لا تثبتُ ضرورةً.

ومنها: أنْ قالوا: إنَّ الكذبَ ممكن في حَقِّ كل واحد من الجماعةِ المخبرين، فلا وجه لاستحالتِه على جماعتِهم، كما أنَّ الصِّدقَ لَمَّا كان ممكناً في حَق كُلِّ واحدٍ، لم يستحل وقوعُه من جماعة كثيرة العدد، وإذا كانَ كذلكَ، وانتفت الاستحالةُ، ثبتَ التجويزُ، لأنَّ الاستحالة ليست إلا حكمَ العقل بنفي التجويزِ، وقد حكمَ العقلُ بتجويزِ الكذبِ، فلا وجهَ للعلم بصدقِهم من طريقِ الضرورةِ.

فيقال: التجويزُ على كلِّ واحدٍ لا يعطي التجويزَ على الجماعةِ لما قدمنا، وأنَ اجتماعَ الكل على إتيان الكذبِ في الخبرِ، محالٌ مع اختلافِ الطباعِ، وذلكَ أنَّه لا تكادُ تجتمعُ إرادةُ جماعةِ أهلِ بلدٍ كبيرٍ ومصرٍ جامعٍ على إتيانِ الكذبِ، وإن كانوا مجتمعين على القدرةِ، إذ ليسَ كلُّ مقدورٍ عليه تتساعدُ دواعي الخلقِ الكثيرِعليه، فإنَّ كلَّ أحدٍ يقدرُ على القتل وأذية الحيوان، لكن لا يتفقونَ على القسوةِ، بل يختلفونَ في الرِّقَّةِ والقسوةِ.

فصلٌ

والعلمُ الواقعُ بالخبرِ المتواترِ ضروري (١)، وبه قال أكثر الفقهاء


(١) انظر "العدة" ٣/ ٨٤٧، و"التمهيد" ٣/ ٢٢، و"المسودة" (٢٣٤)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>