للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

والدلالةُ على ذلكَ: أنَّ عادةَ أهلِ العلم، لاسيَّما هؤلاء أهل الأُصولِ والجدلِ: لايضيفونَ الأمرَ إلاَّ إلى الأقربِ، فإذا وردَ الخبرُ بنهي أو تعليل، أضافوا الحكمَ إلى علتِه، ولا يضيفونَهُ إلى النصِّ، بلْ إلى الحكمِ أوِ العلَّةِ، ولهذا يستقبحونَ قولَ القائلِ، إذا سُئلَ عَنِ الإجماع: هلْ هُو حجَّة؟ أنْ يقولَ القائلُ: نعمْ، فيقالَ لَهُ: ما الدليل؟ فيقولَ: إثباث الصانع الحكيمِ، فإذا قيلَ لَهُ: أين الإجماعُ إلى إثباتِ الصَّانع؟ فيقولَ: لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أمتي لاتجتمعُ على خطأ"، ورويَ: "على ضلالةٍ" (١)، وإنما عرفنا صدقَه؛ لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء بالمعجزِ الذي هو خصيصةُ فعلِ اللهِ سبحانه، وهي خرقُ العاداتِ، ولايكونُ خرقُ العادةِ دالاَّ على صدقِ مَنْ جاءَ بهِ إلاّ أنْ يسبقَ أنَّ المقيمَ لَهُ والمؤيدَ لَهُ حكيمٌ، لايؤيدُ كَذاباً بالمعجزِ، فهذا اَلتسلسلُ لايسلكُه أحد لإثباتِ حجَّةِ الإجماع، ولذلكَ لايحسنُ بالإنسانِ [أن] ينتسبَ إلى أدمَ ونوح، ويقولَ: مِنْ أولادِ الأنبياءِ، لكنْ يَنْتَسِبُ (٢) إلى الأبِ الأقربِ، ويصيرُ الأبعدُ لا حكمَ لَهُ، حتى إنه يشرفُ بانتسابِهِ إلى هاشمٍ وعلي والعباسِ، وهم الآباءُ الأقربون (٣)، ولايشرفُ بالأنبياءِ منَ الآباءِ الأباعدِ المتقدمينَ.


(١) تقدم تخريجه ٥/ ١٠٦.
(٢) في الأصل: "ينسب".
(٣) في الأصل: "الأقربين".

<<  <  ج: ص:  >  >>