الخفاء، والله سبحانه عالم بكل كائنٍ قبل كونه [فلا يخفى عليه شيء] فَيَبْدُوَ له، فإذا نهى بعد أن أمر علمنا أنه إنما أَمَرَ على علمٍ بحالِ المكلفِ، وأنَ الصلاحَ له في أمره، وإذا نهاه قبل وقت الفعل، علمنا أنَّ الصلاحَ له في نهيه، أو أنه أرادَ منه ما قابل به أمرَه وتلقاه به من مقدماتِ الفعل، وهو الاعتقادُ والعزمُ والالتزامُ، وتوطينُ النفس على ذلك، ويكفي ذلك تعبداً، كما أنه إذا أطلق الأمر اقتضى بظاهره التأبيد، ثم إذا نسخ بان لنا أنه أرادَ الفعل وإيقاعه في تلك الأوقاتِ خاصة دونَ الأوقاتِ المستقبلةِ التي رفع الفعلَ منها بالنسخِ، ولم يكُ ذلك بداءً.
وفارق هذا إيرادَ لفظِ الأمر والنهي في حالةٍ واحدة؛ لأن ذلك لا يُعقِب فائدةً أصلاً، فإنه لا يتحصل تلقي ذلك إلا بسماعه فقط، وليس كذلك النهي عن الأمر، لأنه يفيدُ تحصيلَ ثواب تلقي الأمر بالاعتقادِ والعزم وتوطينِ النفسِ على الطاعة.
ومن ذلك قولهم: إذا أمر بالفعل في وقت معين ثم نهى عنه، بان أنه لم يرد إيقاعه، فيفضي إلى أن يكون قوله:"افعلْ" ومراده "لاتفعلْ"، وهذا لا يجوزُ، لأنه يفضي إلى أن يريدَ باللفظ ضدَّ مقتضاهُ، فلا يبقى لنا ثقة بقولٍ؛ لأنَّا لا نأمنُ أن يكون المراد بذلك القول ضدَّه، خبراً كان أو أمراً أو وعيداً أو وعداً، بأنْ نقول:"اقتلوا"، والمراد به:"لا تقتلوا"، و"إن فعلتم أُثيبكم"، والمراد به:"لا أُثيبكم".
فيقال: لا يفضي إلى ذلك، بل يكون معناه: افعل في وقت كذا، إلا أن أنهاك عن إيقاعه. كما إذا أطلق الأمر اقتضى إيقاعَه على الأزمانِ كلها، ولا يكون النسخُ مبيِّناً