المستدعى، كذلك استدعاءُ الفعل. يوضحُ هذا؛ أنَ كل استدعاءِ لفعلٍ يتضمَّنُ النهيَ عن ضدهِ، والنهيُ يقتضي قُبْحَ المَنْهِى عنه عندهم، فينبغي وجوبَ المستدعى من حيث وَجَبَ تركُ ضِدِّه وما لا يُمكن تركُ القبيح إلا به فواجبٌ، كما أن ما لا يمكن فِعلُ الواجبِ إلا به واجبٌ، ومتى حملناَه على الندب، جوزنَا تركه، وفي ذلك إسقاطٌ لإيجابِ ما تضمن اللفظُ إيجابَهُ.
ومما يدكُ على أنها للوجوب، اعتبارُهم واشترَاطُهم لكونها أمراً أن تَصْدُرَ عن الأعلى للأدنى، وما كان ذلك إلا لكونها صادرةً ممن تَلزمُ طاعته، وهذا خَصِيْصَةُ الوجوبٌ، وهذا لا يُسمى قَرِيْنَةَ، بل شَريْطةً، فإن القرينةَ الزائدةُ (١ وما [عُدت] شرطاَ ١) إلاّ لكونها أمراً، لا معنى زائدِ.
وممَّا يَدلُ على أنَّ اقتضاء لفظة الاستدعاءِ الوجوبُ؛ أنَ الإيجابَ مما يَهْجِسُ، في نفوس العَرَب، فلايجوزأن يْهْمِلُوا وضعَ صيغةٍ تخُصه، فلو لى تكن لفظةُ:(فعَل) تقتضي الإيجابَ، لكانوا قد أهملوا هذا الأمرَ الهاجسَ الذي هو أكثرُ ما يعرضُ للنفسِ، وهو الاستدعاءُ الجزمُ، فلا يُعطلُوا هذا الأمرَ العظيمَ الخطر عندهم من لفظةٍ تخضُه، فبطلَ دعوى أصحابِ الوقفِ، وتعطيلِ صيغةِ الأمرِ مِنْ إيجابٍ.
ولأنهم لم يجيزوا التأكيد إلا بما يقتضيهِ المؤكدُ، فإنَه لما كان قولهم: رأيت زيداً، يقتضي نَفْسَهُ وذاتَهُ، أكدوه بذلك، فقالوا: رأيت زيداً نَفْسَه. كذلك هاهنا، أكدوا قولهم:(افعل)، بقولهم: فقد حتمتُ وأَوْجَبْتُ عليك أن تفعل، فدكَ على أنَّ أصلَ الأمرِ اقتضى ما أُكَدَ به في الإيجابِ.