للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاتَباع، ثم خروجُ الفعلِ على وجهِ التعبد، فإنَّ ما خرجَ لا على وجهِ التعبُّدِ، لم نَقُلْ بوجوبهِ، بل بمُجرَّدِ إباحتِه.

ومنها: أنَّ أفعالَه أكثرها كانت مخفيةً مطويةً عن الأمة، فلا يجوز أن يُجعلَ ما هذا سبيله كالنطقِ الذي لا يجوزُ له كتمُه.

فيقالُ: فما خفيَ منها قد كُشِفَ للتأسي به والاتِّباع له، تارة به، مثل قوله في غسله الذي لا يشاهدُ: "أمَّا أنا فأحْثُو على رأسي ثلاث حَثَيات من ماءٍ" (١)، ومثل قوله لأم سلمة لَمَّا سُئِلَت عن قُبلة الصائم: "هلا أخبرتيهم أنَّني أقبِّلُ وأنا صائمٌ" (٢)، و [تارةً بغيرهِ] مثلُ قول عائشة لما اختلفوا في الِإكْسال والإنزال: إذا التَقَى الخِتانانِ، وَجَبَ الغُسْلُ، أنْزَل أو لم يُنزِل، فَعَلْتُه أنا ورسُول الله، فاغْتَسَلْنا (٣).

على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لا يطوي من أفعالِه إلا ما لا يَجعله بمنزلة الأمرِ، فأمَّا ما يستدعي به الاتِّباعَ، فلا بُدَّ أن يُظهرَه، ولا يطوي إلا النوافلَ المحضة، وهذا يعطي: أنَّ ما أظهره الإيجابُ، إذ كانَ لا يخفي إلا النوافلَ، ولهذا قال في التَّرَاويح (٤): "ولو خَرَجْتُ الرَّابعَة، خفتُ أن تُفْرَض عليكم" (٥).

ومنها: قولهم: لا يخلو قولكم بوجوبِ اتباعِه في أفعالِه أن يكونَ


(١) تقدم تخريجه ٢/ ٢٣.
(٢) تقدم تخريجه ٣/ ١٠٣.
(٣) تقدم تخريجه ٣/ ١٣٠.
(٤) في الأصل: "التواريخ".
(٥) أخرجه من حديث عائشة: البخاري (١١٢٩)، ومسلم (٧٦١)، وأبو داود (١٣٧٣)، والنسائي ٣/ ٢٠٢، وابن حبان (٢٥٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>