للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسائرُ، وأنَّى (١) موضوع للاشتمال والاستغراق، ولهذا لو قال له: اذبَح كلَّ غَنمي.

حسُنَ شروعُه في الذَّبح ماراً في استئصالها بالذبحِ، إلا أن تقومَ دلالةُ النَّهي، ولا يَحْسُن لمن قيل له: اصبغ ثوبي لوناً. أن يشرعَ في صبغهِ أسودَ إلى أن يُنْهى، فهل يقفُ حتى يُبَيِّن له أيَّ الألوانِ أراد؟!

قال بعضُ الأئمةِ في النظر هذا الجوابُ غيرُ صحيح؛ لأنَّ المجازَ إنما يُستعملُ فيما يقربُ من الحقيقةِ بنعوعٍ من صفاتِ الحقيقةِ يقرب إليها، كالبلادةِ في الحمار والفيضِ في الكريمِ، والعالمِ يقرِّبه من البحرِ, وعلى ذلك في جميع الاستعارات.

فأمَّا استعارةُ الضدِّ والتجوُّزِ به، فلا؛ ألا ترى أنهم لا يستعيرون للبخيلِ بحراً؛ لأنه إلى جانبِ الجمودِ، واليُبسِ، وهي ضد الرطوبة والفَيضِ والذَّوبِ، ولا يستعملُ الحمارُ للفَطِن الذكيَّ؛ لأنه على ضدَّ البليدِ.

قال: ومن وجْهٍ آخر: وهو أنه لا يصحُّ على مذهبِ من يقولُ: إنَ المخصوصَ من العمومِ يَبقى ما بقي منه حقيقةً، ولا يكونُ مجازاً، فلا ينطبقُ الجوابُ على ما أشارَ إليه من أسماءِ الحقائقِ إذا انتقلت إلى المجاز بدلالةٍ.

فيقال: إنَّ دعواكَ أنَّ العرب لا تستعملُ الاستعارةَ في الضدِّ لا تصحُ، فإنها قد سمت الضريرَ: بَصيراً (٢)، واللسيعَ: سليماً (٣)، والمَخوفَ من الطرقِ: مفازةً، وهذا


(١) في الأصل:"أن"، ولعل المثبت هو الصواب، فأنى: صيغة من صيغ العموم، وهي تفيد عموم الأحوال. انظر "العقد المنظوم في الخصوص والعموم" للقرافي، تحقيق أحمد الختم عبد الله. صفحة:٣١١.
(٢) وورد هذا الاستعمال في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اذهبوا بنا إلى بني واقف نعود ذلك البصير" وكان محجوب البصر أخرجه البزار (١٩٢٠)، والطبراني في "الكبير" (١٥٣٤)، والبيهقي في "السنن" ١٠/ ٢٠٠، والطحاوي "شرح مشكل الآثار" (٤٣٥٦).
ولقد بيَّن الطحاوي سبب تسمية الأعمى بالبصير فقال: إن الأعمى قد يقال له: بصير، لبصره بقلبِه ما يبصر به، وإن كان محجوب البصر. "شرح مشكل الأثار" ١١/ ١٤٦.
(٣) وشاهد ذلك ما ورد في حديث أبي سعيد الخدري قال: "كنّا في مسير لنا، فنزلنا فجاءت جاريةٌ=

<<  <  ج: ص:  >  >>