للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلقِ؛ لم يوجب التوقفُ في العمومِ المطلقِ.

وقولُكَ: لا يكونُ مجرّداً إلا بعدَ البحثِ. يَبْطُلُ بالأمرِ والنهي، فإنه يكونُ مجرّداً

قبلَ البحثِ عن دليلِ الصرفِ له عن ظاهرِه.

وفارقَ التَنبيه، فإن خبرَ الواحدِ ها هُنا لا يوجبُ البحثَ ولا التوقُف في الراوي إلى أن تقومَ الدلالةُ على عدالةِ باطنه، ونقبلُ فيه الواحدَ، ولا يُعتبرُ العددُ، بخلافِ الشهادةِ.

وأما قولكم: إنَ دلالةَ التخصيصِ تكونُ معه بخلافِ النسخِ، فلا يُسلَم، بل عندنا: أنَ البيانَ يجوزُ أن يتأخرَ عن وقتِ الخطابِ، فهو كالنسخِ، ولأنَ النسخَ الذي يكونُ بعدَه قد يخفى عن البعيدِ عن مدينةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فلا يعلمُ أنَزَلَ به وحيٌ أمْ لا؟ ومع ذلكَ لا يجبُ الانتظار، وإن كان ذلك لا يفوِّتُ أصلَ العملِ عن ورودِ النَّسخِ، ومع هذا التجويزِ لا يجبُ التوقفُ عليه.

فإن قيلَ: ليس العمومُ من أسماءِ الحقائقِ بشي؛ لأنَّ تلكَ إذا عُدِلَ عنها إلى غيرِها كانت استعارةً ومجازاً، فأمَّا العمومُ فإنَه إذا صُرِفَ إلى الخصوصِ، ودخلَه التخصيصُ، لم يكن مجازاً.

قيل: قد استويا في العدولِ عن الظاهرِ الأصليّ في الوضعِ، وإن افترقا في كونِ أحدهما بقيَ حقيقةً (١)؛ لأنَّ ما بقيَ ليس غيراً ولا مخالِفاً؛ لأنَه يصلحُ للعمومِ ابتداءً وما صلُحَ للابتداءِ كان أصلحَ للبقاءِ؛ لأنَّ البقاءَ والدوامَ آكَدُ (٢).


(١) أي بقي على حقيقته ولم يصبح مجازاً، وسيرد تفصيل المسألة في الصفحة: ٣٦٥ وما بعدها.
(٢) انظر ذكر الاعتراضات في "العدة" ٢/ ٥٢٨ وما بعدها، و"التمهيد" لأبي الخطاب ٢/ ٦٨ وما عدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>