وأيضاً: لو لم يجب العملُ بخبرِ الواحدِ، لوجبَ أن يكونَ ما بيَّنَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في عصرِه يختصُّ بمن سمع من لفظِه ونطقِه، ولا يلزمُ غيرَه اعتقادُه والعملُ به، لأنَّه لا يتحققُ نقلُ جميع ما بَيَّنَه وبَلَّغَه عن الله نقلاً متواتراً، وهذا يقطعُ عنا أكثرَ الشريعةِ، ومعظمَ أحكامِها، وهذا من أكبرِ المفاسدِ.
فإن قيل: هذا يوجبُ قبولَ خبرِ الفاسِق؛ لئلا يفضيَ إلى فواتِ العملِ بأحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلكَ خبر الكافرِ، لئلا يفضيَ إلى انقطاعِ ذلكَ عنَّا برد خبرِه إلى المفاسدِ العظيمةِ، فلما لم يجز قبولُ خبرِ الكافرِ والفاسقِ لحرصِنا على العملِ بأحكامِ الشريعةِ التي سُمعت من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - طلباً لشرطِ العملِ، وهو حصولُ الثقةِ والعلمِ، فكذلكَ لا يلزمُ العملُ بخبرِ الواحدِ؛ لعدمِ العلمِ بخبرهِ، وتجويز الكذبِ عليه.
قيل: الفاسقُ يغلبُ على الظن كذبُه، لأنَّ تُهْمتَه ظاهرةٌ في ارتكاب محظور دِينِه، ومن ارتكبَ محظورَ دينِه فعلاً وقولاً، لم يُوثَقْ منه إلى خبر، لأنَّه قولٌ من جملةِ أقوالِه، فلا يتخلص لنا صدقه من كذبهِ، وليس من حيثُ رددنا قولَ المتهمِ نردُّ قولَ المغلبِ صدقُه، الموثوقِ إلى قوله؛ لسلامةِ أفعاله، ولذلكَ قبلنا قولَ المفتي والشاهدين مع كوننا لا نعلمُ إصابةَ المفتي، ولا صدقَ الشاهدين، لكنَّنا ظننا الصدقَ والإصابةَ، ولم يوجب ذلك علينا قبولَ قولِ المفتي والشاهدِ، إذا كانا فاسقين.