واجتماعُ العرب على السَّمَرِ، وقالوا: لم يبقَ من لذاتِ الدنيا أطيبَ من المحادثةِ والمسامرةِ على التلاع الخُضرِ في الليالي القُمْرِ.
وإذا كانت الطباعُ على هذا، بَعُدَ اجتماعُ القليل من العددِ على الكتم، واستحالَ اتفاق العددِ الكثيرِ على ذلك، وصاروا في الاستحالةِ كاتفاقِهم على الكذبِ، وهذا التقريرُ في الأخبارِ في الجملةِ التي لا يتعلقُ عليها الأغراض، فأمَّا ما يُحتاجُ إلى نقلِه، وفي نقلِه صلاحٌ، والدواعي إليه داعيةٌ، فاتفاقهم على كتمِه اتفاقٌ على قبيحٍ، ويستحي أنْ يجتمعَ العددُ الكثيرُ والجمُّ الغفيرُ على القبيحِ، مثلُ دخولِ عطشان أو جائعٍ إلى جامعِ المنصور، يطلبُ شربةً من ماء أو رغيفاً، فتَتَّفِقُ جماعةُ المزدحمين فيه على منعِهما من مطلوبِهما مع وجودِ ذلك، والقدرةِ عليه، أو على الإخبار بحادثٍ حدثَ بالخطيبِ على المنبرِ، ولم يكن حدثَ ذلك، أو إخبارهم بفتنةٍ وقعت، ولم يكُ ذلك على ما قالوا، بل تتفقُ تلكَ الجماعةُ على اختلاق الكذب، أو يقع ذلك -أعني: الحادثة بالخطيب، أو الفتنة- وتكتمها تلَك الجماعة، فلا ينفصل أحد من الجامعِ، فيتحدث بها، إنَّ استحالةَ الأمرين جميعاً على حدٍّ سواء، كذلك ها هنا.
والأصلُ في إحالةِ ذلك: أنَّ الطباعِ في الوضع مختلفةٌ، والدواعي متفاوتة جداً، كتفاوتِ الأمزجة في الميلِ إلَى الطعومِ المختلفه، فلا يجوزُ أن يتفقَ ذلكَ الجمعُ على محبةِ الحموضةِ، ولا محبةِ الحلاوةِ، كذلك لا يتفقونَ على محبةِ كتمِ الحادثِ، ولا اختلاقِ ما لم يحدث.
وأيضاً: لو جازَ اتفاقُ الصحابةِ على كتم نصِّ الخلافةِ على عليٍّ، لما أَمنَّا أن يكونوا كتموا في حكمِ الله سبحانه، فلا تبقى لنا ثقةٌ