قيل: ولِمَ زَعَمْتُم أَنَّه لايجوزُ أن يفعلَ بالخلقِ في أَمرِ الدنيا والدينِ إِلا ما هو أَصلحُ الأمورِ لهم؟ وليس هذا من كلامِ الفقهاءِ في شيءٍ.
ويقالُ لهم على سبيلِ ما ادَّعَوْه: ومِن أين عَلِمْتُم أنه لابُدَّ أن يكونَ العملُ بموجِبِ النّصوصِ أَصلحَ في تدبيرِ المكلَّفينَ مِن إِحالتِهم في كثيرٍ منها على موجبِ الرَّايِ وغالبِ الظنِّ؟ وما أَنْكَرتم من أنَّه قد عَلِمَ سبحانه أنُّ رَدَّهم فيَ كثيرٍ من ذلك إلى الاجتهادِ وغالبِ الرايِ أَصلح لهم، وأنه لو نَصَّ لهم على كُلِّ حكمٍ بعَينه بم لنَفَرُوا عن طاعتِه، وكان ذلك لُطْفاً في فسادِهم، وأَنَّ في تخفيفِ مِحْنَتِهم وتسهيلِ الأَمرِ عليهم في الرُّجوع إلى الرَّايِ لطفاً في المصلحة، وأَنّه عندَه أَقربُ إلى الوافقةِ والطاعةِ، فلا تجِدُونَ إلى دَفْع ذلك طريقاً.
ويقالُ لهم أَيضاً: أَتَزْعُمُونَ أَنَّ غالبَ الرَّايِ والظنِّ بيانٌ للحكم، وعَلَمٌ على وجوبِه، ومصلحةٌ في التكليفِ، وإن كان التعبُّدُ بالرُّجوع إلى مُوجِبِ النصِّ أَبْينَ وأَصلحَ، أَم تَزْعُمُونَ أنَّ غالبَ الظنِّ ليس ببيان للحكمِ، ولا العملَ بموجِبِه مصلحةٌ في الدِّينِ أَصلاً؟
فإِن قيل: بل (١) هو بيانٌ ومصلحةٌ، وإِن كان دون البيان بالنَّصِّ والاسْتِصلاح به؛ فقد أَقَرُّوا بأَنَّ الأَعلى والأَدنى في مَرْتبةِ البيانِ والاستصلاح قد اسْتَوَيا، وهذا إِقرارٌ بعَيْنِ ما أَنْكَرُوه علينا، وتَعلقُوا به.