للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوادٍ، فقد أحالَ على اسمٍ ما عَقَلْنا بعدُ الحقيقةَ التي لأجلها سُمِّيَ أَسودَ، ويُفضي إلى الدَّوْرِ، فيُعَرِّفُ السَّوادَ بالأسود، والأسود بالسَّوادِ، وما عَرَفْنا الحقيقةَ التي صَدَرَ عنها إلا بتميينر.

وقال بعض المتاخَرين من المحقَقين (١): لا حَدَّ له عندى، وإنما هذه كلُّهارسومٌ (٢).

فإن قيل: فالحدود كلها تعطي حد الشَيءِ بنفسِه، فإن المعرفةَ هي العلمُ، والتَّبَينَ هو العلمُ، والإِدراكَ هو العلم، فمن قال: العلم المعرفةُ، كمن قال: العلمُ العلمُ.

قيل: أَجمعَ العلماءُ على أنه لا يجوز حَدُّ المحدودِ بغيرِه، بل لا يُحَدُّ إلا بنفسِه؟ فالسائل عن حَدِّ الشَّيءِ لا يسألُ إلا لجهالتِه بحقيقةِ ما سألَ عنه، فلو أتَيْنا عند سؤالِه عن حقيقةِ الشيءِ بالغيرِ، جَهَّلْناه بحقيقتهِ، إذ أَشَعَرْناه بغيره، وبَعَّدْناه عن مقصودِه، ولو أعدنا عليه ما سألَ عنه، بأنْ يقولَ لنا: ما العلمُ؟ فنقولَ: العلمُ، لَمَا افَدْناه، فقد نطقَ باسم ما عرفَ حقيقته، فإذا أعدنا عليه اللَّفظةَ لم أَفِدْه شيئاً، فإذا بطلَ الأمران، لم يَبْقَ أن يكونَ الجوابُ إلا الفَزَعَ إلى الأوجزِ عبارةً، وأخصِّ خصيصةً؛ لنكشفَ عن حقيقتهِ بإيجازِها، وتخصُّصِها، وكشفِها عن جوهريَّتهِ وطبيعتِهِ، فنكون بذلك مقرِّبين إلى فهمِه معنى ما سألَ عنه، لا عادلين إلى غيرِه، ولا معيدين لِمَا سألَ عنه، بل موضِّحين كاشفِين عن حقيقةِ ما سألَ عنه.


(١) في الأصل:"المحقين".
(٢) وهو ما قاله الغزالي في "المستصفى" ١/ ١٦ - ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>