والدلالةُ على هذا، هو الدليلُ على إثباتِ الكلامِ حروفاً وأصواتاً.
ونَخُصُّ هذا الفصل بما يحتملُه الكتابُ مِن الدلالةِ، فنقول: بأن العربَ قسمتِ الكلامَ أقساماً، فقالوا: اسم وفعلٌ وحرفٌ، ووَسَمُوه بسماتٍ لا يحتمِلُها إلا النطقُ، دون ما قامَ في النفسِ.
فقالوا: الاسمُ ما دخلَه الألفُ واللامُ، وما كان عبارةً عن شخصٍ، وما حَسُن فيه التصغيرُ، وما حَسُن فيه التَّثْنيةُ، وما إخبِرَ بهِ أو عَنهُ.
وهذا كلُه لا ينطبق إلا على النُّطقِ، ولما جاؤوا إلى ما تَحْتَ هذه الثلاثة الأنحاء قالوا: أمرٌ ونهيٌ وخبر واستخبارٌ ونداء وتمن، ثم قالوا: فالأمرُ: قول الأعلى للأدنى: افعلْ، والنهيُ: قولُه له: لا تفعلْ، والخبرُ: زيد في الدارِ، والاستخبارُ: أزيدٌ في الدارِ؟ والتمني: ليتَ وليتني، والنداءُ: يا زيدُ أقبلْ، وصرفوا مِن هذا الكلامِ أنواعَ التصريفِ، وقالوا في الترخيمِ: يا فُلْ مِن فلان، ويا صاحِ من يا صاحبي، فحذفوا في الترخيمِ حرفاً أو حرفين أو حُروفاً من آخرِ الاسم. وقالوا في النُّدبةِ: يا سَيِّداه يا أبتَاه، فزادوا حرفَ الهاءِ، فطلبوا بالأولِ التعجلَ، وبالثاني التفجعَ، لأنَ حرفَ الهاءِ يخرجُ من الصدرِ وهو محلُ الحزنِ والكمدِ.
وقالوا: لعلً للترجّي، وما أحسنَ زيداً للتعجب، وليتَ للتمني، وهذا كلُه مبنيٌّ من حروفٍ وأصواتٍ، ولأنً العربَ لا تصفُ بالعاهةِ في محلٍّ إلا وصحةُ ذلك المحلِ يُضَادُّ العاهةَ، كقولهم: أعمى لِمَنْ كانت العاهةُ في محلِ بصرهِ، وأطروش لِمَنْ كانت العاهةُ في محلِّ سمعهِ، وقد قالوا: أخرسُ لمن كانت العاهةُ في محلِّ نطقهِ، والخَرَسُ ضد