للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعُلم بذلك أَنَّ التكليفَ حصل بعد عَودِ العقلِ وحصولِ الإِفاقة.

وقد تكون التكاليفُ بعد حُصول أسبابِ سبقت، لا من جهةِ المكلفِ ولا من فِعله رأساً، ولا كَسْبَ له فيها؛ كَإيجاب الاغتسال على الحائضِ بعد انقِطاعِ الدم، وإن كانَ جريُ الدمِ ليس من كَسبها، فأوجبَ (١) الغُسلَ مستنداً إلىَ ذلك، وكذلك وجوبُ قَطع القُلْفَة التي وُجدت من خَلقِ اللهِ سبحانه، فتناولَ التكليفُ إزالتَها وقَطعَها بعد البلوغِ بنفسِهِ، وقبلَ البلوغِ خِطاباً لوليّه، فَلسنا نمنعُ أمثالَ هذا، وإنما نمنعُ الخِطاب لهم (٢) في حالِ الغَيْبة، وزَوالِ العقلِ.

ولأنه قد يكونُ فِعلُ البهيمة، وقَتلُ الخطأ، وحُكم الحاكم، وفُتيا المُفتي، أسباباً لوجوب أفعالٍ على غيرِ الفاعلينَ لها، لا لأن فعلَ البَهيمةِ وفعلَ قاتل الخطإِ داخلانِ تحتَ تكليفِ العاقلةِ وصاحب البهيمةِ، لكن جاءَ الشرعُ بذلك تحكماً منه، ولم يلجئنا (٣) ذلك أَن نقولَ بدخولِ هذه الأفعالِ تحت التكليفِ، فبطلَ أن يكونَ وجوبُ القَضاءِ لحكايةِ ما مضى من العباداتِ الواجبةِ في الأزمانِ الماضيةِ في حالِ الغَلبَة والسّكر والصَغر، وجوباً يدل على تَقدم التكليف.

فأما توهّم من تَوهم أن حدَّ السكران إنما وَجب عليه بسببِ أَدْخَلَه على عقلِهِ وهو السُّكر، فإنه باطلٌ، لأن السّكر من فِعل اللهِ تعالى وليس من كَسْبِ العَبْدِ وَمقدوراتِه مباشَراً ولا مُتولداً (٤)، فأما استحالةُ ابتدائِهِ


(١) في الأصل: "ووجب".
(٢) في الأصل: "لهما".
(٣) في الأصل: "يلجنا".
(٤) بل الأفعال إنما تنسب إلى فاعليها سواء كانت خيراً أم شراً، والله خلق هذه الأفعال وأصحاب الأفعال، وأقدرهم على فعلهم، فهم لهم قدرة وإرادة حقيقية فهي من كسبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>