للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المأمورِ به.

على أن هذا باطلٌ بالنهي، فإنه يدل مِن الحكيمِ على كراهةِ المنهيِّ عنه، وكراهتُة لا تقتضي التحريمَ، لأنه قد يُكرهُ كراهية تنزيهٍ، ثمّ لم يحمل على أدنى ما تتناوله الكراهة.

وقد أجابَ مَنْ وافَقَنا في هذا المذهبِ بجوابٍ آخرَ، وهو أن قال: إنْ كان الأمر يقتضي حسن المأمور به، فهو يقتضي قبْحَ ضدهِ، ولا يمكنه تَرك ضدهِ إلا بفعلِ المأمورِ به، فوجبَ انْ يكونَ واجباً، وهذا معْتَرض بتحقيقٍ يكشف عن فسادهِ، وهو أن الضدَّ إنما يجب -عند القوم- تركة إذا ثبتَ وجوب فعلِ ما يضادة، فأمّا إذا كان الفعل لم يثبتْ وجوبه، فلاوجهَ لوجوبِ تركِ ضده، فيصير دَوْراً.

وأمّا تعلقهم: بأنها تَحسنُ من الابنِ لأبيه وليس بأهلٍ للِإيجابِ عليه، فإنه يبطل بلفظِ النهي، فإنه يحسن من الابنِ لأبيهِ، والسيّدِ لعبدهِ، وليس بأهلٍ لمنعهِ والحجرِ عليه، ألا تَرى أنه لا يَحسُن أنَّ يقولَ الابن لأبيهِ، والعبد لسيّدهِ: حظرت عليكَ، ولا حرَّمت عليكَ، وَيحسن أنْ يقول له: لا تفعلْ، كذلك لم يحسن أنْ يقولَ: أوجبت عليكَ، أو فرضت، ويحسن أنَّ يقولَ: افعلْ.

على أنَّ الصيغةَ مع عدم الرتبةِ ليستْ هي المختلفَ فيها، وإنما الخلاف فيها مع الرتبةِ، وليسَ إذا استعمِلَتْ الصيغة نفسها في بعض المواضعِ التي لا تحتمل الوجوبَ لا يدلُّ على أنها غير موضوعةٍ للوجوب، بدليلِ ألفاظِ الحقائقِ، كلفظةِ: (حمار) تستعمل في الرجلِ البليدِ اَلذي لا يحتمل البهيمةَ، ثم لا يدل على أنه غير موضوع

<<  <  ج: ص:  >  >>