شَيءٍ فعله مع العقل لا مع زوال العقل، لأنه يَشرب وهو عاقل مُميز.
فصل
ومما تَعلَّقوا به علينا في نَفي تَكليف السكران، قوله تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء: ٤٣]، ونهيه للسكارى عن الصلاةِ وقُربانِها، إثباتُ تَكليفٍ لهم وصَرفُ خطابِ إليهم، وذلك مُبطل لما أصلتم من نَفي الخِطاب لهم والتَكليف.
قيل: إذا تأملتُم الأدلّةَ التي تَقدَمت، رأيتم أنها صارفةٌ لها عن ظاهرها، ووجبَ بتلك الأدلةِ أن نتاولها على وجهٍ يوافقُ تلك الأدلةِ الصحيحةِ، والتأويلُ لها ينصرفُ إلى وجوهٍ عدة:
منها: أن السكْر الذي صَحَ صرفُ الخطاب نحو صاحبهِ؛ هو السُّكر الذي يحصلُ معه نَوعُ تخليطٍ في الكلامِ، ولا يُزيل العقلً زَوالًا يمنع فَهم الخطاب، وذلك ليسَ بمانعٍ عندنا، فهو كالنُعاس بالإِضافةِ إلى النوم، ولا يَمنع شيئاً من التَكليف، ولهذا علامة نَذكُرها؛ وهي (١) نَشوةٌ يتحرك مَعها بتصفيق وإنشادٍ ورَقصٍ، كانَ يتماسك عنه حالَ صَحوهِ قبل النَشوة، ويراه قَبيحاً من نَفسِه وغيرِه، فهذا إذا نُبه تَنبه، وإذا فُزِّع فَزِع، وَيجتنِبُ المضارَّ ويَتطلَّبُ المنافعَ، فهذا يَحسُن أن يُقال له: يا هذا، لا تقرب المسجد ولا تَدخل في الصلاة، حتى تَتماسكَ وتَصحو عن هذه النَشوة.
ويحتمل: لا تَشربوا شُرباً يؤدي بكم إلى حالٍ تدخلوا بها