أصحابُنا التنزيهَ لا الحظرَ، وهذا ليس بجيدٍ؛ لأنهم إنْ طلبوا وِزانَ الأمرِ بعد الحظرِ فوِزانُه من النهي بعد الأمر الإطلاق من عهدةِ الأمرِ، فإنَّ الأمرَ استدعاءٌ حتمٌ، هذا هو المذهبُ، فقوله: لا تفعل. بعد قوله: افعل. يعطي إسقاطَ الفعلِ لا حظرَه ولا التنزيهَ عنه، ووِزانُ الحملِ للنهي بعد الأمر على التنزيهِ، حملُ الأمر بعد الحظرِ على الندب، فاذا لم يُحمل الأمرُ على الندب الذي هوَ أدنى مراتب الأمرِ، بلَ على الإِطلاقِ بعد الحظرِ، حُمِلَ النَهيُ على الإِسقاطِ دونَ التنزيهِ، الذي هو أحدُ مراتبِ النهي.
قالوا: وإن سُلِّم وأنه لا يقتضي الإِسقاطَ ولا التنزيهَ، لكن يقتضي ما اقتضاه الإِطلاقُ، ولأنه يطابقُ الأصلَ وهو الحظرُ، وهذا عندي ليس بانفصالٍ، لأنَ تأكده ليس بزيادةٍ على مقتضى الأمرِ، لأن مقتضى الأمرِ إيجابُ الفعلِ، ومقتضى النهي إيجابُ التركِ، فلا وجهَ لتأكيدِ أحدِهما على الآخرِ، ولأنَه مع تأكده تعملُ فيه القرينةُ فَيُحطُ عن رتبةِ الحظرِ إلى التنزيهِ، وقد جعلَ أصحابُنا تقدمَ الحظرِ قرينةً حطًت الأمر عن رتبتهِ، فهلا جعلوه كسائرِ القرائن في حطِّ النهي عن رتبتهِ، وهي الحظرُ، إلى أحدِ أمرين: إمَّا إسقاطُ ما أوجبه الأمرُ، أو التنزيهُ دون الحظرِ، ولا انفصالَ عن هذا عند المنصف.
والمنعُ مذهب حَسَن على الوجه الذي ذكرته، وهو أن يجعل للإسقاط.
وأمَّا قولُهم:
إنً القرينةَ ما وافقتْ، والقَرينة المؤكدةُ للمقتضى ما وافقتْ، مثلُ القرائن