الأمرُ، فأمَّا أن يقتضي الحَظْرَ، فلا، وكما أن الأمرَ إذنٌ بعد الحظرِ، فالنهيُ تخفيفٌ وإسقاطٌ بعد الأمر، ولا أقولُ كما قال أصحابُنا: يقتضي التنزيهَ، لأن هذا القولَ منهم حطّ لرتبةِ النهي عن الحظرِ إلى رتبةٍ ثانيةٍ هي التنزيهُ، لأن صيغةَ الأمرِ لمّا ورَدَتْ عندنا بعد الحظرِ لم تكُ باقيةً على الأمرِ، لأنَ الأمرَ ليس من أقسامهِ إطلاقٌ ولا إباحةٌ، وانما مقتضاهما الاستدعاءُ، إمَّا إيجاباً، وإما ندباً، واذا أخرجنا الصيغةَ عن جميعِ أقسام الأمرِ، وأخرجنا صيغةَ النهي عن جميعِ أقسام النهي، فلا تحريم ولا تنزيهَ، لكنْ إسقاطٌ بعد إيجابٍ وتكليفٍ.
وقد سلم بعض وافقنا في المسألةِ، وفرق بين صيغةِ النهي والأمرِ؛ بأن النهي يقتضي القبحَ والحظرَ، وهو مغلبٌ ومؤكدٌ، والمنعُ أصح.
ولأن النهَّي يقتضي الحظرَ بظاهرهِ، من جهةِ أنّه استدعاءٌ للتركِ لا بصيغةِ الحظرِ، كما أن الأمرَ استدعاءُ الفعلِ لا بصيغةِ الِإيجابِ، وصُرِفتْ عن وضعِها لتقدُّمِ الحظرِ إلى الإطلاقِ، فيجب (١) أن تُصرفَ هذه عن الحظرِ إلى الإسقاطِ.
وأمّا قولهم: تقدمُ الحظرِ ليس بقرينةٍ، لأن القرينةَ ما يُبيّن أو يماثلُ، فليس بصحيحٍ، لأنَّ القرينةَ التي تُبين وتماثلُ هي التي تؤكدُ حكم ما قارنته، كالوعيدِ على المخالفةِ مع صيغةِ الأمرِ، يقتضي الإيجابَ ويعضده، لأنّ الوعيدَ على التركِ من خصيصةِ وجوب المأمورِ به، والقرينةُ التي تخرِجُ الصيغةَ عن الموضوعِ الأصلَ، تباينُ