للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه؛ نحو المكره على الطَلاق والبَيعِ وكلمةِ الكُفر، وكل ذلك إذا وَقع فهو كَسبٌ لمن وَقع منه، وواقع مع عِلمه به وقَصده إليه بِعَينه، فيصحّ لذلك تَكليفه، كتكليف ما لا إكراه عليه فيه.

وزعمت القَدَريًة (١) أنه لا يصحُ دخولُهُ تحتَ التكليف؛ لأنه لا يَصح منه غير ما أكره عليه.

وهذا قولٌ باطلٌ من وجهين:

أحدهما: أنه قَد يصح منه خِلاف ذلك؛ لأنه عندهم قادرٌ على ما أكره عليه وعلى ضِده وتَركه، فلو شاءَ فَعَلَ ضِده والانصرافَ عنه، ولتحمل الضرر وكفَّ عنه، فسقط ما قالوه. وغاية ما فيه أنه يشق عليه، ويتكلًف ما يُضاده ويَثقل، وهذا مما يجانسُ التَكليفَ، فأما أن يُضادّه فلا؛ لأن التكلفَ أبداً إنما هو لفعلِ ما يَثقل وَيشق.

الوجه الثاني: أنه ليس كل من لا يَصح منه الانصراف عن الفِعل يمتنع تَكليفُه؛ لأن القادرَ عندنا على الفِعل من الخَلق لا يصحُ منه الانصرافُ عن الفعل في حال قدرتِهِ عليه، لوجوب وجودِها مع الفعل وإن كان ذلك يصح منه، بمعنى صحِة نيته (٢)، وأنه لا يصح كوُنه قادراً على ضِده بدلاً منه، ومع ذلك فإن تكليفَه صَحيح.


(١) هم القائلون بأن كل عبد خالق لفعله، وليس الله تعالى فيه صنع ولا تقدير. انظر "الفرق بين الفرق": ١٨، و"نشأة الآراء والمذاهب والفرق": ١٦٧ - ١٧٤.
(٢) في الأصل: "تبيينه".

<<  <  ج: ص:  >  >>