للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا قولهم: لو أثَّر فيه تقدمُ الحظرِ، لكان يجعله تهديداً، لأنَّ التهديدَ إلى النهي والحظرِ أقربُ. فلا يلزم، لأنَّا قد جعلنا هذا حجةً لنا، من حيث كانَ تغييرَ اللفظةِ عن مقتضاها في الجملةِ، وأنت لم تجعلْ تقدُّمَ صيغةِ الحظر عاملةً ولا مؤثرةً في صيغةِ الأمرِ، وإنما لم نجعلها نحن تهديداً، لأنَّ التهديدَ زجرٌ، وهو من آكدِ ألفاظِ الحظرِ، فإن العربيَّ إذا تناهى في الزجرِ، قال لعبدهِ: الآن افعل ما شئتَ، تقديرُه: فسترى ما أفعلُ بكَ من العقوبة. وإخراجُ صيغةِ الأمرِ إلى الزجرِ إخراجٌ عن موضوع إلى ضدِّه، لأنَّ الأمرَ استدعاء والزجرَ كف ومنع، وإخراجُ الشيءِ إلى ضدِّه، لا يقعُ إلا بضرورةٍ، وهي القرائنُ المتأكدة، وشواهدُ الأحوالِ الظاهرةُ، وليس في تقدُّمِ الحظرِ من القوةِ ما يخرجُ صيغةَ الأمرِ إلى ضدِّها من الحظرِ والزجرِ، فأمَّا إخراجُها إلى الِإطلاع، فهو مما يليقُ بالحالِ، لأنَّ الحظرَ أوجبَ منعاً، فأولُ مرتبةٍ ينحط إليها الحظرُ الإطلاق، لأنه لا تتقدمه مرتبة، ثمَّ الندبُ، ثم الإيجابُ، وكُلّه يقتضي إيَجادَ الفعلِ، إلا أنّه في الإباحةِ إطلاق في الفعلَ، وفي الندبِ حثٌّ، وفي الإيجاب حتم والزام، فأمَّا التهديدُ فإحالةٌ، وليسَ يقتضى الإحالةَ، إلا اَلضروَرةُ المحوجةُ إلى ذلك بأقوى الشواهِد، على أنّ صَيغةَ الأمرِ لا تكون تهديداً، إلا إذا تعقبت النهيَ وكانت في مجلس النهيِ، فأمَّا مع تطاولِ الزمانِ، فلا يكونُ تهديداً بحالٍ.

وأمّا دعواهم أنّه ما خرجَ عن كَوْنِه أمراً، فيجبُ أن يكون على مقتضاهُ. فليس بصحيح لما قدمنا وأنَّ تقدُّمَ الحظرِ أخرجَهُ عن الأمرِ إلى الإطلاق والِإباحةِ، ولو بقيناه أمراً لبقيَ على مقتضاه في الأصلِ.

وَأمّا قياسُهم على الخبرِ، وأنّه لم يخرجْ بتقدُّمِ الحظرِ عن كونه خبراً، والجمعُ بين صيغتي الخبرِ والأمرِ بأنَّه أحدُ أقسامِ الكلامِ، لا يلزمُ؛ لأنَّ الخبَر لا يُبنى في العادةِ على الحظرِ بناءً يخرجهُ عن الأمرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>