وأمّا وجوبُ الدلالةِ، فلأن العاقلَ لا سبيل له إلى العلم بالمدلولِ إلا بعد أن يحققَ النظرَ والاستدلالِ بالدليلِ على المطلوبَ.
وأمَّا الدلالةُ على أنه يجب علينا ما لا يمكن فعلُ الواجب إلا به، كالطهارةِ والستارةِ، لأن من تركَ صلاةً من يومٍ، خاطبناه بقضَاءِ صلاةِ يومٍ كاملٍ، ليتحققَ بفعل مالا يمكنُ تحققُ فَعلِ الواجب إلا به فعلُ الواجب، وإن كُنّا نعلمُ أنَّ أربعةً منها وجبتْ ليتحققَ فعْلُ الواجب، وليست واجبةً في الأصلِ. وكذلك غسلُ قصاصِ شعرِ الرأسِ، وليسَ من الوجهِ، ليحصلَ لنا استيعابُ جميعِ الوجهِ.
وكذلكَ الِإمساكُ في جزءٍ من الليلِ ابتداءً قبل طلوع الفجرِ، واستقصاءً بعد غروب الشمسِ، ليتحققَ صومُ عامَّةِ النهارِ، وَقد أساء قوم من المتفقهةِ العَبارة فقالوا: فعلنا غيرَ الواجب ليتحققَ فعل الواجبِ، والتحقيقُ أَنَّا نوجِبُ الكلَّ، لعدمِ تحقيقِ العينِ.
فصل
واعلمْ أن مِن هذا القبيلِ: ايجاباً على الشخصِ المكلَفِ، يَقِف على انضمام مكلّفٍ آخرَ إليه، فمتى لم يحصلْ إجتماعُ غيرِه به وانضمامهُ إليه، لم يتحصلْ خطابُ الشرعِ له بذلك التَّعَبُّد، ولا ايجابهُ عليه، كالجمعةِ لا تقامُ حتى يتحصّلَ مع كلِّ واحدٍ تسعةٌ وثلاثون، وكالجهادِ لا يجبُ حتى يجتمعَ معه جماعةٌ تحصلُ بهم المنَعَة.
وأمَّا الشاهدانِ اللذانِ تحمَّلا شهادةً، فمتى طالبَ [صَاحبُ]، الحقِّ كلَّ واحدٍ منهما مجتمعاً بالشاهدِ الآخر، أو منفرداً، لَزِمَه أداءُ ما عنده من الشهادةِ، لأنَّ الاجتماعَ ليس بمشروطٍ، ألا ترى أنَّ أداءَ كلُّ واحدٍ