هناك ما هو أوفى من السؤالِ لما علَّق بالتشديدِ على سؤالِهم وتردّدِهم في صفاتِ البقرةِ، لم يحدث سوى التأخيرِ والتوقف، لأنَ المتوقفَ في ذلكَ إنما يتوقفُ لطلب الدليل على جوازِ تأخيرِه وزوالِ المأثم بذلك، وليس يتوقف لطلبَ الدليلِ على سلامةِ تعجيل الفعْل، ويأمن من المأثمِ والعقابِ، والقولُ بانَ تقديم فعلِه حرامٌ، لأنَّ من قاَلَ بالفورِ وبالتراخي جميعاً يقولونَ: إنَّ تقديمَ فعلِه حسنٌ جميلٌ، وإنَّ القائلَ بوجوبِ تقديمه يقول: إنَّه يأثم بالتأخيرِ، والقائلونَ بالتراخي يقولون: إنْ قدمه فقد أدّى الواجب وبرئت ذمتُه، والأحوطُ له في حيازِة المثوبةِ وإبراءِ الذمَّةِ تقديمُه، فإنَّه لا يأمن الفواتَ بمفاجأة الموتِ، وإذا ثبتَ ذلكَ ثبتَ أن مقدم فعلِه ممتثلٌ للمأمورِ به بإجماعِ الأمَّةِ قبلَ القائلين بهذا، فبطَلَ ما قالوه من الوقفِ.
ويوضِّح هذا أنَّه لو وجبَ الوقفُ في ذلكَ، لكانَ المقدِّمُ لفعلهِ عقيبَ الأمرِ، مع اعتقادِ وجوبهِ وبراءةِ ذمتِه مخطئاً مأثوماً، لأنَه لا يعلمُ ذلكَ، بل يجوزُ أن يكونَ المرادُ به التأخير [و] في هذ أيضاً خلاف الِإجماع، فلو احتملَ الأمرُ في أصلِ الوضعِ الفورَ والتراخي لكان هذا الِإجماعُ من الأمةِ على أنَّ تقديمَ فعلهِ ليس بمحظورٍ ولا حرامٍ موجباً لحمله بدليلِ السمعِ على أنَّ سائرَ الأوقاتِ وقتٌ له، من عقيبِ الأمرِ إلى ما بعده.
فإن قالَ قائلٌ: بأن تقديمَ فِعله حرامٌ لموضعِ الاحتمالِ فيه. قيل له: فأنتَ إذاً قائل بأنَه إنما يجبُ أن يفعل لا محالةَ في وقتٍ يكون بعدَ عقيب الأمر.