للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرِهِ، فإنه حُكمٌ عقلى ليس بشرعي، ولا نعني بذلك أنه لا يصحُ أن يَرِدَ السمعُ بالإِخبار عن كونِها كذلك، وتأكيد أدلةِ العقلِ على أحكامِها، وإنما نَعني أنها مما يُعلم عقلاً وإن لم يَرد السمعُ، وقد دخل في هذه الجملةِ سائرُ أفعالِ العِبادِ المتكلَف منها (١) وغيرِ المتكلَف، وأفعالُ سائرِ الحيوان كلُها، لأنها لا تَنفك كلُها من الأحكامِ التي ذكرناها.

فصل

والضرب الثاني من أحكامها: أحكامٌ شَرعية وهي التي تختصُ بها أفعال المتكلّفين من العِباد دون غيرها، وذلك نحو كون الكسب حَسناً وقبيحاً، ومُباحاً ومحظوراً، وطاعة وعصياناً، وواجباً وندباً، وعبادةً لله سبحانه وقربةً، حلالاً وحراماً، ومكروهاً ومستحباً، وأداءً وقضاءً، ومجزئاً، وصحيحاً وفاسداً، وعقداً صحيحاً أو باطلًا أو فاسداً، فكلّ هذه الأحكامِ الثابتةِ للأفعالِ الشرعيةِ شَرعيةٌ لا سبيل إلى إثباتِ شيءٍ منها والعلم به من ناحية قَضية العقل (٢)، وهذا هو معنى إضافتها إلى الشرعِ، لا مَعنى له سوى ذلك، غير أنه لا يمكن أن يَعرفَ أحكامَها هذه الشرعية إلا بتأملِ العقلِ، ويَستدل بعقلهِ على صحةِ السمعِ، وصدقِ موردِهِ، وتَلَقّي التوقيفِ على هذه الأحكام من جهتِهِ أو مِن جهةِ مَنْ خَبَّر عنه، ولولا وُرودُ السَّمع بها، لما عُلم بَالعَقلِ شيءٌ منها لما نُبينه وندل عليه فيما بعد إن شاء الله.


(١) في الأصل: "منهم".
(٢) انظر ما تقدم في الصفحة (٦٥) و (٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>