للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرةً" (١)، وهذا يدُل على أن حكمه وحكمَهم في المشروعِ سواء.

ومن ذلك: أن حقيقةَ الأمرِ الصادرِ من جهتِه في أحكامِ الشرع أنه مخبر لا آمرٌ، ألا تراه كيف تلا: {قُلْ أَعُوذُ} [الفلق: ١]، {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: ١]، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ} [الكهف: ١١٠]، كما قيل له، والحاكي منا لكلامِ الأمرِ له بحذف: قل؛ لأنَّها أمرٌ بالبلاع، فيتشاغل بالبلاعِ لما أمِرَ به، ويدع كلمةَ الأمرِ وصيغتَه. والنبي صلى الله عليه وسلم أدَى كلمةَ الأمرِ له كما جاءت, ومن كانَ كذلكَ صارَ بالأمرِ الذي جُعل جهةً له آمراً له ولِمن بلغه من أمته، فكانَ تقدير كلِ صيغةٍ تردُ على لسانِه الكريم تشريعاً، والشرعُ شاملٌ له والكل متبع، فصارَ تحقيقُ ذلك أنَّه جهةٌ للأمر، لا آمرٌ حقيقةً، إذ المستدعي غيرَه بلسانِه وقوله. فمن هاهنا كان داخلاً، ومتى تحقق هذا كذا كان الخلافُ زائلًا مرتفعاً لأنه ليس أحد يقول: إنً الأمر يأمرُ نفسَه، وكيف يقول عاقلٌ ذلك، وشريطةُ الأمر أن تصدَر الصيغةُ من أعلى خِطاباً لأدنى، والواحدُ لا يكونُ أعلى من نفسه وأدنى منها، فلم يبقَ إلا ما ذكرنا أنَّه جهة لأمرِ الله ومبلغ عنه، لا آمر حقيقةً.

وأيضاً: فإنَّ الإلقاءَ من الله سبحانه إليه، وفي روعه آكدُ من اجتهادِه واستثارته، ثمً إنه إذا كان مجتهداً أفتى الغيرَ وكانت فتواه لنفسه وعلى نفسِه، قال صلى الله عليه وسلم: "استفت نفسكَ وإن أفتاك


(١) أخرجه من حديث جابر أحمد ٣/ ٣٢٥، والبخاري (١٦٥١)، ومسلم (١٢١٦) وأبو داو (١٧٨٤)، والبيهقي ٥/ ٧، ٨، ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>