للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل لي: قل كذا، هذا هو الحقيقة، لا أنه مبتدىءٌ باستدعاءٍ أوطلبٍ من جهة نفسه، ولهذا أعاد صيغ الأوامر بقوله: قل، واتل ما أوحي، ولو لم يكن مخبراً لوسعه أن يتلو ولا يحكي قول الملك له: اتلُ، ولا يقول: قل، بل يبتدىء فيقول: (أعوذ بربِّ الناس)، (أعوذ بربّ الفلق)، (إنما أنا بشر) ولا يقل: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ} [الكهف: ١١٠]، وإلى أمثالِ ذلك في كتابِ الله.

وأمَّا إفرادُه لنفسه بالأمرِ، فبالصيغة التي تَرِدُ من قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: ٤١] و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال: ٦٤]، كذاك نقولُ وأنه يحسُنُ وقد كان ذلك، فأمَّا أوامرُه من غير الكتاب، فما هي إلا بطريقِ الكتاب، وهو الوحي إليه، فينطقُ تارةً بقرآن، وتارةً بكلامٍ يُضاف إليه إضافةً لا إضافةَ إنشاء، وكيف يُظن بأن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بحكمٍ شرعيٍ من قِبَلِ نفسِه، فإذا بَطَلَ هذا، لم يبقَ إلا أنَّه مخبرٌ وحاكٍ، سواء كان ما ينطقُ به قرآناً أو غيره.

فإن قيلَ: فعندكم أنه قد يأمرُ بالحكم من طريقِ الاجتهاد، فإذا قالَ ذلكَ كَان أَمَراً من جهة نفسه، فيجبُ أن لا يدخلَ عندكم فيما يصدرُ عنه منَ اِلأمرِ الذي يقولُه عن اجتهاده.

قيل: اجتهادُه لا يُقَر فيه على خطأ، فمتى اجتهدَ ولم يُرد بالوحي كان إقرارهُ عَلى ما اجتهدَ فيه حُكمُ الله الذي جرى على قلبه ولسانِه صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ اختياره مستند إلى المنطوق به، فيأخذُ المسكوت عنه من المنطوق به، ومن تعلّق بمثالِ السيد مع عبيده، وأنَه لا يدخل في أمره لهم معهم، فقد أبعد النجعة، لأنَّ السيد أمرَ بنفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم على ما سبق من أدلتنا، يخبر

<<  <  ج: ص:  >  >>