المظلوم، إلى ما شاكل ذلك، فهذا فصل محقَّقٌ أغفله جماعة من مصنفي هَذا النوع من العلم.
وأمَّا قولهم: إن المنهيَ لما صحَّ في حقِه وتعلقت عليه أحكامُه، صحَّ أن يتجه إليه الخطابُ بتركِه، بخلافِ العباداتِ. فليس بصحيح؛ لأنَّ إقامةَ الحدودِ على أهلِ الذمةِ لإقامةِ سياسةِ الملةِ حيثُ التزموا أحكامنا، فأمَّا أن يكون لأن أحكام النهي ثبتت شرعاً فلا، لأن الحدودَ لأهلِ الإسلام كفارات لأهلها، أو بلاء، وهي في حق الكفار محضُ عقوبات، وليس الحدودُ المحضةُ عقوبةً من أحكامِ أهل الإسلام، فما تعلقت الحدودُ بالمنهيات في حقهم على الحث الذي تعلقت في حقنا.
وأمّا كون المحظوراتِ تلائم الكفر، فكان يجبُ لما عفونا عن الكفرِ إقراراً لهم عليه أن نقرَّهم على المنهياتِ تبعاً، فلما زجرناهم عنها بطل أن يكونَ النهيُ عنها والزجرُ لأجل الملاءمةِ.
فبانَ أنَّ ما ذكرتم من الملاءمةِ ضدَ المقتضى.
وتفصيحُ هذا وكشفهُ، أنَّه كما لا يقالُ لمن لا يؤمنُ بالله: صل الله. ويُستهجن هذا من قائلهِ، لا يُقالُ لمن يستجيزُ الكفرَ بالله والشركَ: لا تبع بزيادةٍ فتكونَ مرابياً، ولا تطأ أجنبية فتكونَ زانياً، كما لا يُقالُ لمن انغمسَ في حش وبال: امسحْ رأسَ قضيبك بحجر لتكون مُسْتَنجياء. ولا لمن تشككت فيه النصال، ووطىء على شوكةٍ: انقش الشوكةَ من رِجلك، وإنما يتشاغلُ في الأمورِ بالأكبرِ والأهمّ، فإذا كان كفرُ هذا الكافرِ لم يمنع من صرفِ النهي إليه عن جرائمَ دون الكفرِ مع النهي عن الكفرِ، كذلكَ لا يمتنعُ صرفُ الأمرِ إليه بالعباداتِ التي هي دونَ الإيمانِ مع الأمرِ له بالإيمان.