وأما تعلقهم بأن الكافرَ لا يجبُ عليه بتركِ صلواتٍ عقوبةُ الدنيا وهي القتلُ أو الضربُ، فكذلك الإثمُ، فليسَ بلازم، لأن الله تعالى قد أسقطَ القتل والاسترقاقَ عن كفارِ أهلِ الذمةِ، دارْ لم يُسقط عقوبةَ الآخرةِ عنهم.
على أنَّ الكافرَ جُعلَ كالمجتهدِ في تحصيلِ الإسلام ليؤدي ما يجبُ عليه بالإسلام. والمجتهدُ لا يُعاقبُ في حالِ اجتهادهَ، والدليلُ على أنه جعل كالمجَتهدِ، أنه جائز إقرارُ أهل الكتاب، ومن له شبهة كتاب مع كفرهم وما يعتقدونه من دينهم، ولهذا من لم يُقَرّ على كفرهِ بودر بالعقوبةِ وهم المرتدون، ومن لا يجوزُ إقرارُهم على كفرِهم، ومن أمهِلَ وتُركَ مقراً على الكفرِ من غير إزعاج ولا إزهاقٍ أحرى أن لا يزهقَ ويضربَ لأداءِ الصلاة.
وأمّا قولهم: إنَّ الجاحدَ للأصلِ لا يجوزُ أن يُخاطبَ بالفرع.
ليس بكلامٍ صحيحٍ، لأنَّه إذا ثبتَ أنَّ معرفةَ الله تعالى أصل لتصديق رُسُله وقد خوطبَ بتصديقِ الرُّسُل عليهم السلام ونُهيَ عن تكذيبهم، ثبتَ أنَّ تصديق الرسُلِ وإن كان أصلًا للطاعةِ لهم في الأمرِ بالعباداتِ لا يمنعُ من خطابِهم بالعباداتِ بشريطة تحصيلِ التصديق لهم.
على أن قولك: المعرفة أصلٌ، فإنَ المقصودَ من المعرفةِ طاعةُ المعروفِ وعبادته، فيجوزُ أن لا نمنعَ الخطابَ لهم بالمعرفةِ من خطابهم بالمقصودِ بها، وهو تعظيمُ الله تعالى وامتثالُ أمره، وهو تعالى يقول:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦].
على أنَّ المرتدَّ لا يمتنعُ خطابُنا له بالإيمانِ والعودِ إليه ومعالجةِ