للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاةَ من بينِ الفرائضِ تفضل برتبةٍ تَخْرُجُ بها عن الفرض إلى ما هو أعلى، ولا يخرجُ ما دونها عن الفرضِ، بل تساويها سائرُ العبادات في الفريضة.

ومن ذلك: أنا أجمعنا على أنَ كل فرضٍ واجبٌ، فمن ادعى أن ليس كلُّ واجب فرضاً (١)، يحتاج إلي دليل.

ومن ذلك: أنَ الله سبحانه أطلق اسمَ الفرض على الواجب، فقال: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: ١٩٧] وعنى به: أوجَبَ فيهن.

ومن ذلك: ان قوَّة الطريق، وكَوْنَ الدليلِ مقطوعاً لا يؤثر إلا علماً بالمنقول، فأمَّا أن يؤثّر في الوجوبِ فلا، ألا ترى أنَ النوافلَ التي تواتَر الخبرُ بها لا تَصير واجبةً بقوة الطريقِ، بل يكونُ العلم بها قَطعياً، وهي سنة أو نافلة -وغايةُ ما يُستدلّ به على الوجوبِ؛ القرائنُ والدلائلُ على أنه مَحتوم على المكلّف مَأثومٌ معاقب على تركه، ولا يبقى بعْد ذلك إلا مراتبُ الواجباتِ في استحقاقِ الذّم والعقوبةِ على الترك، كما في المنهياتِ، تكون متساويةً في الحظرِ والتحريمِ، ولا يبقى بعد ذلك إلا التفاوتُ في عقوبات (٢ ............................................................ ٢) منها، مع عدمِ المداومةِ عليها ولم بُعتبر في كونِها كبيرةً أن يكون طريقُ تحريمها قطعياً، بل تَضاعُفُ عقابِها في الدنيا بالجزاء، والآخرةِ بالوعيد، أوهما. فكان يجبُ أن تَخُصَّ الفَريضةَ -إن جعلتهاَ أكبَر من الواجبِ- بزيادةِ ثوابٍ على فعلها، وكثرةِ عقابٍ على تركها دون تأكُّد طريقها.

ومن ذلكَ: أنَ مُدّعي اسم الفرض لمِا ثبتَ بدليلٍ مقطوعٍ، كمدعي اسم النفل لما ثبتَ بدليلٍ مظنونٍ، فيخلع على كل أمرٍ وَرَدَ من جهةِ الشارعِ بخبرِ واحد اسمَ نفلٍ، وهذا صحيحٌ؛ لأنَّ الطريقَ المقطوعَ إذا أورث قوةً في الإيجاب ومَزِيَّةً هي الفريضة،


(١) في الأصل "فرض" والصواب ما أثبتناه.
(٢ - ٢) طمس في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>