للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغلامِ في حقِ الخَضِرِ لما أنكره وأكبره موسى عليه السلام، بأنه كان في المعلومِ أنه لو بَلَغَ لكفَر وكَفر أبويه (١)، فقد أعطى ذلك أنه لما أرادَ حِفظَ عاقيته وعاقبةِ أبويه، أمَرَ بالأصلحِ لهم، وهو قتلُه صغيراً، فما كان من هذا فقد كشف النظر عن مرادِه سبحانه منه، وهو الأصلحُ، فأما إبليس حيث طلبَ الإنْظار وخَطَب طولَ الإعمار، أجابه سبحانه فقال: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)} [الأعراف: ١٥]، فلو كان أمرُه لإصلاحه وصلاحِ عاقبته لما أجابه إلى الإبقاء، وقد كشفت العاقبة أنَ إنظارَه الذي أجابه الحق إليه وَبالٌ عليه وعلى من اتبعه، فلو كان اللهُ سبحانه أرادَ حفظَه عن الفسادِ، وأرادَ به الصلاح، وبغيرِه ممَن علم أنه يغويَه؛ لفَعلَ في حَقَه ما فعلَه في حق طفلِ الخَضِر، فعُلمَ أنه مُطلقُ الأمرِ والمشيئةِ بفعل الأصلح لمن شاءَ، وفي حقَ من شاء، ويأمرُ من لا يُريد صلاحَه بما شاء، فهذا طريق مَهْيَعٌ قد ملأ كتابه الكريم بأمثاله:

قال في حقّ قومٍ: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦]، وأبان عن عِلّة الكراهة، فقال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٧]، فأبان عن علةِ عاقبتهِم [وتثبيطهم] (٢) عن الخروج لمصلحةِ جيشِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أرادَ بجيشه الأصلحَ.

وقال في حق قومٍ: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: ١٧٨]، وأطال أعمارَ المنافقين على ما كانوا عليه من التخذيلِ للمسلمين، وتَتع عوراتهم، ومكاتبةِ المشركين، وإيقاعِ الأراجيفِ على السَّرايا، وجميع ما أخبر اللهُ عنهم في كتابه في قوله: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة: ١٠١]، وقولهم: {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ}


(١) وذلك في قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}، سورة الكهف، الآية: ٨٠.
(٢) زيادة يستقيم بها المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>