للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو فرق ذلك بتجديد مستأنَف أتى به بعدَ الوضوءِ الأول كان رابعةَ في المعنى، لكن لما لم يَجمع جاز؛ ولأنه إذا جمع بينهما أبطل حُكمَ التخيير وإذا أفردَ أحدَهما بالفعلِ، والآخرَ بالترك، كان عاملاً بالتخيير.

وأمَّا تعلُّقهم (١) بتساويهما في القُبح، وكُلُّ قبيحٍ يجبُ تركُه، وتعلقُهم (١) بالمصلحةِ والمفسدةِ فغيرُ صحيح؛ لأنه قد قدَّمنا أنه لا قبيحَ إلا ما قبحه الشرعُ، ولا حَسَنَ إلا ما حسنه الشرعُ، وإذا خَيَّر الباري بين تركِ أحدِهما أو الآخرِ على البدلِ علمنا أنه إنما خَيّره لعلمِه بأنه لا تتركُ إلا ما قبحَ عنده وفي معلومِه، ولا يفعلُ إلا الحسنَ عنده وفي معلومِه، كما قلنا في الأمر وأنّه لا يختارُ إلا فعلَ الأصلحِ عند الله والواجبِ، فبِتخييره علمنا أنه إنما خيّره لعلمه بأنه لا يختار إلا الواجبَ عنده والأصلحَ الذي لا فساد فيه، وهذا مساهلة في النظر وإلا فالأصل الذي نعتمده أن الأمرَ والنهيَ لا يختصّ الأصلحَ، وقد دلَّلنا على ذلك بما فيه كفايةٌ.

وأما تعلقُهم في تركِ الجميع بالاحتياطِ، فباطلٌ بالتخيير بين شيئين في الأوامر فإنه لا يجبُ فعلُ المخيرين جميعاً احتياطِ، كذلك لا يجبُ تركُ المخيرين في النهي احتياطاً، ولأنَ الاحتياطَ إنما يقعُ في الأفعال، ولسنا نمنعُ التاركَ للمخيرين جميعاً، إنما نمنعُ من التمذهبِ بذلكَ والاعتقادِ له، والاعتقادُ في الاحتياطِ لا يصحُ؛ لأنَ اعتقادَنا ليس بمحظورِ بمنزلةِ اعتقادِ ما ليس بواجبٍ واجباً، وكاعتقاد ما هو محظورٌ مباحاً.

وأمَّا قولُهم: قد يكون في الأمرِ ذلك بدليلِ فرضِ الكفاية، فلا مثله في النهي؟ ففرضُ الكفاية هو الحجّةُ؛ لأنه نهى أهلَ القريةِ كلهم عن إهمالِ أمر الميِّت في تجهيزه والصلاة عليه، فاذا خرجَ أحدُهم عن حكمِ النهي سقطَ المأثمُ عن الكُل، ثم


= يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثاً ثلاثاً، قال: "هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم".
(١) في الأصل: "تعلقها"، والمثبت أنسب للمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>