للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبيِّنا لقولِ امرأةٍ" (١). وهذا أشارَ به إلى قولي تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦].

قيل: إنَّ عمرَ رضي الله عنه لم يمتنع من قبولِ ذلك لأجلِ أنه خبرُ واحدٍ عارضَ القراَن، لكن اعتقد خطأ فاطمةَ لمعارضةِ غيره، لما يَدُلُّ عليه أنَّه رُويَ: "لقول امرأةٍ لعلها نَسيت"، أو شبهة عَرَضت له، ويدُلُّ عليه أنَه قال: "لا ندري أصدقتْ أم كذبت". وهذا يدلُّ على أنّه ردَّ ذلك لأمرٍ يخصُّها، ونحن إنما نقتضي بالتخصيصِ بخبر واحدٍ سكنت إليه نفسُ المجتهدِ، وغَلبَ على ظنه صدقُه، فأمَّا مثلُ هذه الحالِ فلا.

وقد أجابَ صاحبُنا أحمدُ رضي الله عنه بأن قال: كان ذلك منه على سبيلِ الاحتياطِ، وإلا فقد كانَ يقبلُ من غير واحدٍ قولَه وحده (٢). على أنَ هذا الخبرَ مُطَّرحُ الظاهر لأن آيةَ السُكنى مخصوصةٌ في حقِّ الصغيرةِ، فإنه لا سُكنى لها وخبرُ الواحدِ عند أصحابِ أبي حنيفةَ إذا دخَله التخصيصُ يُخصُ بخبرِ الواحدِ (٣).

فإن قيلَ: فإن تعلّقتم بأنَ الصحابَة عملتْ بذلك، فقد أُحدثَ النسخُ لما ثبت قِبلةً في الشرعِ بخبرِ الواحدِ، قال لهم: ألا إنّ القِبلَةَ حُولت نحو الكعبةِ، فاستداروا (٤).


(١) أخرجه عبد الرزاق (١٢٠٢٧)، وأحمد ٦/ ٤١٢، ومسلم (١٤٨٠) وابن أبي شيبة ٥/ ١٤٦، وأبوداود (٢٢٨٨)، والدارقطني ٤/ ٢٣ و ٢٤ و٢٧، وابن حبان (٤٢٥٠)، والطبراني في "الكبير" ٢٤/ ٩٣٤، والبيهقي ٧/ ٤٧٥.
(٢) انظر "العدة" ٢/ ٥٥٤.
(٣) هكذا وردت العبارة في الأصل، وهي في"العدة" ٢/ ٥٥٤ كما يلي: "وخبر الواحد يخص به الظاهر المخصوص عند أبي حنيفة".
(٤) أخرجه البخاري (٣٩٩) و (٧٢٥٢)، ومسلم (٥٢٥)، وابن ماجه (١٠١٠)، والترمذي (٣٤٠) و (٢٩٦٢)، والنسائي ٢/ ٦٠، والدارقطني ١/ ٢٧٣، وابن حبان (١٧١٦)، والبيهقي ٢/ ٢، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>