للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنَّةِ من عمومِ القرآنِ ليس بقرآنٍ، ووجبَ القضاءُ بخاصِّ السنَّة.

والذي يوضِّحُ هذا: أنه رتَّبَ القياس على السنَّة، كما رتَبَ السنةَ على كتاب الله، ثم إنَّ السنَة الخاصَّةَ لا تؤخَّر عن عمومِ كتابِ الله، بل تُقدِّمُ عليه، فكذلكَ لا يلزم تقديمُ عمومِ السنَّةِ على خصوصِ القياسِ (١).

ومنها: أنَّه إسقاطٌ لما تناولَه نطقُ القرآنِ، فلا يجوزُ بالقياسِ كالنّسخِ، وربما قالوا: أحدُ نوعي التخصيصِ، فلا يجوزُ بالقياسِ، كتخصيصِ الأزمانِ.

فيقالُ: ليس إذا لم يجز النَّسخُ لم يجز التخصيصُ، بدليلِ أنَ نسخَ القرآنِ بخبرِ الواحدِ لا يجوز ويجوزُ التخصيصُ به؛ ولأنَّ النَّسخَ: إسقاطُ موجَبِ اللفظِ، والتخصيص: بيانٌ للفظِ، والتخصيص جمع بينه وبينَ غيرِه، فافترقا.

ومنها: أنَ القياسَ فرعٌ للكتابِ، فلا يجوزُ أن يخُصَّ الفرعُ أصلَه، كما لا يُسقِطُ الفرعُ أصلَه.

فيقالُ: إنَا لا نَخُصُّ الأصلَ بفرعِه، وإنَّما نخصُّ غيرَ (٢) أصله؛ لأنَّ القياسَ متى استنبطَ من أصلٍ فيكونُ مماثلاً له في حكمِه، فلا يخصُّ به، وإنما يخصُّ أصلاً آخرَ يُضادُّه وينافيه.

ومنها: أنَّ هذا القياسَ مما يقدَّمُ عليه القياسُ الجليُّ، وكلُّ ما قدِّم عليه القياسُ الجليُّ لم يَجُزْ تخصيصُ العمومُ به، كاستصحابِ الحال.

فيقالُ: إنَّما لم يُخصَ العمومُ باستصحابِ الحالِ؛ لأنَّ ذلك تمسُّكٌ وبقاءٌ على حكمِ الأصلِ، وليسَ كذلكَ القياسُ، فإنَّه دليلٌ في نفسِه (٣)، وتقديمُ الجليِّ عليه لا


(١) انظر "التبصرة": ١٣٩ - ١٤٠.
(٢) في الأصل: "عن" ولا يستقيم بها السياق، والمثبت من "العدة" ٢/ ٥٦٨.
(٣) أي أن الاستصحاب ليس دليلاً مستقلاً كالقياس؛ لأن الاستصحابَ هو بقاءٌ على حكمِ الأصل حتى ينقل عنه بدليل. انظر "التمهيد" ٢/ ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>