لنعمْ قولُه: أزيدٌ في الدار؟ قال الله تعالى:{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}[الأعراف: ١٤٤]، {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف: ١٧٢] وإذا ثبت أنَّها جملةٌ واحدةٌ؛ وجبَ أن يجعل الجوابُ مقدَّراً بالسؤالِ، وصارَ كالمبتدأ والخبر: قامَ زيدٌ، أو: زيدٌ قامَ. والاستثناءِ مع المستثنى: قامَ النإسُ إلا زيداً.
فيقالُ: لا نُسلِّمُ أنهما كالجملةِ الواحدةِ، بل هما جملتانِ مفترقتانِ، وأمَّا كونُ الجوابِ بمقتضى السؤال، فلا يُسلَّمُ أيضاً، وكيفَ يكون مقتضاه، وذلكَ خاصٌ، وهذا عامٌّ، فأين الخاصُّ من العامِّ؟ ولربما كانَ الجوابُ يتضمنُ حكمين وثلاثةً، ويكونُ السؤالُ عن حكمٍ واحدٍ على ما بينّا من ذكرِ مَيْتةِ البحرِ، وما سألوه إلا عن مائِهِ، وكما نطقَ به القرآنُ عن موسى- عليه السلام-، لما قيل له:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}[طه: ١٧]، كان جوابه:{هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه: ١٨] وكان الجوابُ الذي يخصُّ السؤال: عَصا، بلا إضافة، فهذا شائعٌ في لغة القومِ.
وكونُه قد يُحَالُ منهم الجواب على بيان السؤال (١)، فباطلٌ بالكتابِ مع السُّنةِ، فإنَّه يجوزُ أن يحالَ أحدُهما على الآخرِ في البيانِ وهما مختلفانِ.
على أنَّ خلافَنا في الجوابِ المستقلِّ بنفسِه غير مفتقِرٍ في البيان إلى السؤالِ، وذلك ليس مع السؤال جملةً واحدة.
ثمَّ هذا يبطل بما ذكرنا من سؤالِ الزوجةِ زوجَها وشكواها الخاصِّ إذا أجابها عنه بطلاقٍ عامٍّ.
فإن قيل: لنا في الزوجةِ من الحجّة عليكَ مثل مالَكَ، فإنَّها لو سألَتْه الطلاق، فقال لها: أنت خَليَّة. فإنَّ قوله: أنت خليَّة. إذا كان مُبتدأ؛ لا يقعُ به طلاقٌ، ولو أجابها به عن سؤالها، كان طلاقاً، وما حصل كونُه طلاقاً إلا بناءً على سؤالها.