للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها، فإذا قاسَ قائسٌ إحداهما على الأخرى لم يجُزْ لوجهين:

أحدهما: أنَّه لا التفاتَ إلى القياسِ مع وجودِ النص.

والثاني: أنَّه يُفضي إلى إسقاطِ المقيسِ على المقيسِ عليه، فيصيرُ الحكمُ لأحدِهما، ويسقطُ أحدُ النصين، ولهذا المعنى منعنا قياسَ التيممِ على الوضوءِ في دخولِ الرأس والرجلينِ، ولا قياسَ القطعِ في السرقةِ على قطعِ المحاربةِ، في إدخالِ الرِّجلِ مع اليدِ، ولا قياسَ كفارةِ الظِّهارِ على كفارةِ التمتع في اعتبار التفريقِ، ولا كفارةَ التمتعِ على كفارةِ الظِّهارِ، في اشتراطِ التتابعِ.

فيقالُ: بل هو قياسُ المسكوتِ عنه على المنطوقِ به؛ لأنَّ الإيمانَ لم يُنطَقْ به في كفارةِ الظهارِ، وإنما سُكِت عنه، ونُطقَ بالرقبةِ فقط، وفي كفارةِ القتلِ نُطقَ بالرقبةِ والإيمانِ فيها، فقسنا ما سُكَتَ على الإيمانِ فيه، على ما نُطقَ بالإيمانِ فيه، وفارقَ التيمم مع الوضوِء؛ لأنَّ الطهارتين ما اجتمعتا في الجنسِ ولا الصفةِ ولا التأثيرِ فيقاسُ، فالترابُ جنسٌ غيرُ جنسِ الماءِ، والمسحُ الكليُّ غيرُ المسحِ والغسل، ورفعُ الخَبثِ حكمٌ، ونَفْي رفعه حكم آخر، فقياسُ أحدهما على الآخرِ رومَ التقريبِ الذي قصدَ الشرع، خلافَه بالتبعيد [لا يصح] (١).

وليس كذلكَ الظهارُ، فإنه يُساوي القتلَ في اعتبارِ الرقبةِ الصحيحةِ السليمةِ، واعتبارِ البدل: صومُ شهرين، وصفةِ البدلِ وهو التتابعُ، ولم يُخلّ إلا بذكرِ الإيمانِ، فكانَ الظاهرُ: اعتبارَ الإيمانِ فيما ثبتَ له هذه الأحكامُ كلُها المساويةُ لكفارةِ القتلِ فيما استوى الحكم المذكور في الموضعينِ هناك، واستوى ها هنا، وكذلكَ صومُ التمتعِ شرُطَ فيه التفريقُ منصوصاً، والتتابعُ في الظهار منصوصاً، فلا يمكنُ سلوكُ القياسِ المسقطِ لأحدِ الحكمينِ المنصوصِ عليهما، ولسنا حُرُصاً على تلفيقِ ما فُرِّق، ولا تَفريق ما لُفِّق، بل لو أطلقَ صومُ التمتع، وقيَّدَ صومُ الكفارةِ؛ لجاز أن نأخذَ لأحدِهما


(١) زيادة يقتضيها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>